هل الظروف باتت مناسبة لعقد صفقة شاملة و جديدة وبشروط أفضل بين طهران وواشنطن بعد قمة سنغافورة ؟
 

هي قمة تاريخية بإمتياز لم يكن أحد يتوقّع أن تحصل ، ولعل ما قاله زعيم كوريا الشمالية بأنها نوع من " أفلام الخيال العلمي " الأصدق في التوصيف حتى الآن .

فبعد العام الأول من ولاية الرئيس دونالد ترمب والتي شابتها توترات مع كوريا الشمالية كادت أن تصل حدّ الكبس على الأزرار النووية في كلا البلدين ، نجحت محاولات كوريا الجنوبية عبر رئيسها مون جاي إن في التقريب في وجهات النظر بين البلدين والتوصل إلى وثيقة مشتركة وصفها ترمب بأنها " شاملة ".

عُقدت القمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية في منتجع كابيلا في جزيرة سانتوسا في سنغافورة، وحصل اللقاء المنتظر بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.

تخلّل القمة إجتماعين ، الأول بين ترمب وأون وإقتصر على حضور المترجمين ودام ل ٤٠ دقيقة ، وإجتماع ثاني إنضم إليه من الجانب الأميركي كل من وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون  وكبير مستشاري البيت الأبيض جون كيلي ، وعن الجانب الكوري الشمالي حضر  أبرز الدبلوماسيين في بيونجيانغ كيم يونغ تشول ووزير الخارجية وري يونج هو ونائب رئيس اللجنة المركزية في حزب العمال وري سو يونغ.

وإتفق الجانبان على نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية مقابل ضمانات أمنية أميركية لحماية كوريا الشمالية ورفع العقوبات الإقتصادية والعزلة الدولية عنها .

وقد سبق القمة إفراج كوريا الشمالية عن ٣ أميركيين كانوا محتجزين عندها ، كبادرة حسن نيّة ، وإستقبلهم ترمب شخصياً في أميركا .

لكن هذه القمة التاريخية لن تقتصر دلالاتها وتأثيراتها على شبه الجزيرة الكورية فقط ، بل سيصل صداها إلى الشرق الأوسط .

فبعد هذه القمة ، إستطاع ترمب تصوير الجمهورية الإسلامية في إيران على أنها الخطر الأول والتهديد الأساسي والوحيد للسلم العالمي ، بعد خروج كوريا الشمالية من محور الشر المعتمد أميركياً.

وستّشكل القمة عامل ضغط على طهران ، في ظل الإستراتيجية الأميركية الجديدة  لتقليم أظافر إيران في المنطقة ، حيث سينصبّ إهتمامات واشنطن عليها بعد زوال خطر السلاح النووي الكوري الشمالي .

 

إقرأ أيضا : ما هو الفرق بين القنبلة النووية وبين العقوبات النووية ؟

 

 

لكن عدد من المراقبين نصحوا كيم بعدم الرهان على ترمب لأنه متقلّب الشخصية ، وهو لا يلتزم بتعهدات بلاده ، في إشارة للإتفاق النووي مع إيران وإنسحابه منه، ما جعل البعض يُجري مقارنة بين الإتفاقين .

في الإتفاق النووي مع السداسية ، إرتكب التيار المحافظ في طهران خطيئة ربما الآن هو يندم عليها ، عندما تعنّت في رفض إجراء لقاء مباشر بين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والرئيس حسن روحاني ، رغم قبول الأخير وإستعداده لهكذا لقاء ، لكنه رضخ للضغوطات الداخلية .

فإقتصرت اللقاءات بين وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ، رغم الإتصال الهاتفي الذي حصل بين أوباما وروحاني .

يرى البعض في هذا التعنّت الإيراني المحافظ خطيئة إستراتيجية تدفع ثمنها اليوم ، فأوباما كان فرصة إستراتيجية لإيران لم تعرف كيف تستغلها رغم تساهل أوباما معها وغض نظره عن إتساع دورها في المنطقة ، ووصل الأمر بإدارة أوباما أن رفضت على لسان كيري الإستجابة لمطالب المعارضة السورية حينها بالتصدي ل " حزب الله " في سوريا وتزويدها بسلاح كاسر للتوازن ، لأنه بحسب كيري الحزب لا يُشكِّل تهديداً لمصالح أميركا في تلك المنطقة .

أضف أن أوباما كان صارماً جداً مع المملكة العربية السعودية ، الخصم اللدود لإيران في المنطقة ، وسمح بكشف أوراق سرية تتهم حكومة المملكة بدعم الإرهاب ، وهي كانت جائزة مجانية من أوباما لإيران على مستوى الرأي العام العربي والعالمي .

وأيضاً ، العلاقة المتوترة بين أوباما ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ، والتي وصلت حد سماح أميركا بتمرير قرار يُدين إسرائيل في مجلس الأمن الدولي بسبب مشاريع الإستيطان ولم تستخدم الفيتو .

 

إقرأ ايضا : ترامب: إيران تغيرت وستعود إلى بحث صفقة جديدة

 

 

ورغم ذلك ، تعنّتت طهران ولم تذهب إلى مصالحة كاملة وشاملة مع واشنطن تُنهي حالة العداء معها ، فجاءها الأخطر والأصعب وهو ترمب .

لذلك ، فإن المقارنة بين الإتفاقين ساقط ، لأن زعيم كوريا الشمالية ذهب إلى إتفاق شامل مع أميركا ، من دون إستثناءات ، أما طهران ففعلت العكس .

من هنا ، يرى البعض أن إيران ستُراجع حساباتها من جديد بعد قمة سنغافورة ، وهي تتهيّأ لعقد صفقة شاملة مع واشنطن هذه المرة ، لإنهاء حالة العداء بين البلدين .

وترمب بالأمس أشار لذلك بعد قمة سنغافورة .