بات واضحًا للجميع أنّ فرص تشكيل الحُكومة خلال فترة زمنيّة قصيرة تتلاشى، نتيجة تراكم العقبات والمواضيع الخلافيّة بين أكثر من فريق سياسي
 

على الرغم من الإجتماع الذي حصل في قصر بعبدا بالأمس والذي تم من خلاله الاعلان عن تصور اولي لتكريس الحصص على القوى السياسية إلا انه، في حين كانت الجهود مُركزة على حلّ العقد التي تُواجه تشكيل الحكومة المُقبلة، ما زال هناك سلسلة من الإشكالات المُتتابعة لتضرب هذا الجهد ولتحوّل التفاؤل حول واقع التأليف إلى تشاؤم يشير الى تأخير موعد إعلان التشكيلة الحُكوميّة ، وذلك لفترة زمنيّة حتى إشعار آخر،وذلك نتيجة تراكم العقبات والخلافات. 
ففي ظل التأجيل الذي يشهده ملف تشكيل الحكومة، يبرز موقف ل "حزب الله " مستعجل للتأليف، وهو لا يرى مبرراً في تأخير ولادتها، في ظل الأوضاع الإقتصادية والمالية والمعيشية الضاغطة، أما في السياسة فيقرأ البعض موقف الحزب بأنه يستعجل التشكيلة لضمان تكريس نتائج الإنتخابات النيابية عليها، بالإضافة إلى حصوله على اعتراف وشرعية جديدة من قبل كل القوى التي ستشارك في الحكومة. يقود هذا التفسير في جزء منه إلى ترجمة تريّث الرئيس المكلف سعد الحريري الذي وإن كان مستعجلاً لإنجاز التشكيلة إلا أنه ينتظر إشارات خارجية وإقليمية للبناء على الشيء مقتضاه ولوضع تصور سياسي للتشكيلة وما بعدها.هذا بالاضافة الى تصريح قائد فيلق القدس حول كتلة "حزب الله " النيابية والتي قدرها ب"74 نائباً".
في موازاة ذلك، يترقب لبنان العرض الأميركي بشأن الحدود الجنوبية، وهذا ينذر بمرحلة حافلة بالتطورات وفق ما تقول مصادر متابعة، خاصة في ظل طرح المسؤولين في الكواليس أسئلة متعددة عن سبب بروز هذا العرض، والغاية من توقيته، وإذا ما كان يرتبط بالتطورات الحاصلة في المنطقة لا سيما في جنوب سوريا، والأردن، وصولاً إلى صفقة القرن. وهناك تخوف من أن تكون الرغبة الإسرائيلية تتعلق بضم مناطق في الجولان، والأردن، مقابل تقديم تنازلات في لبنان برّاً وتحصيل مكتسبات في البحر. هنا مكمن التخوف والتحسب اللبناني لما قد يستدرج إليه. هذا من جهة ومن جهة ثانية، وبعد مرسوم التجنيس الذي حظي بالإهتمام الإعلامي الأكبر خلال الأيّام القليلة الماضية، في ظلّ تراشق سياسي بين من يُؤيّد المرسوم ومن يُعارضه، جاء قرار تعيين قناصل فخريين للبنان في الخارج ليُجدّد الخلاف القديم بين "التيّار الوطني الحُرّ" و" حركة أمل " بالنسبة إلى ضرورة توقيع وزير المال من عدمه على هذا النوع من المراسيم، وذلك بعد فترة قليلة على إشكال مُماثل كان نتيجة أزمة مرسوم ترقية ضُباط دورة العام 1994. ثمّ جاء قرار جبران باسيل بعدم تجديد إقامات موظّفي المفوّضيّة الأوروبيّة لشؤون اللاجئين في لبنان ليُوتّر العلاقة بين الحريري وجبران باسيل ، نتيجة رفض الحريري لهذا القرار ، لاعتباره أنّ هذه المسألة تُقرّر فيها الحكومة مُجتمعة ورئيسها وليس أحد الوزراء فيها وبشكل إفرادي، خصوصاً وأنّها بمرحلة تصريف الأعمال، ولاعتبار الحريري أيضًا أنّ لهذا القرار تأثيرات سلبيّة على علاقات لبنان الدَوليّة.

إقرأ أيضا : تجاذب وشد حبال في «محنة التأليف»


وسط هذه الأجواء، بات واضحًا للجميع أنّ فرص تشكيل الحُكومة خلال فترة زمنيّة قصيرة تتلاشى، نتيجة تراكم العقبات والمواضيع الخلافيّة بين أكثر من فريق سياسي. وفي هذا السياق، لم تعد العقبات محصورة بمسألة مُطالبة "القوات" بحصّة مُوازية لحصّة "التيّار الوطني الحُرّ"، ولا بمُطالبة "الإشتراكي" بالوزراء الدروز الثلاثة في أي حُكومة ثلاثينيّة، ولا بمُطالبة "التيار الوطني الحُرّ" بتمثيل كبير، ولا بُمطالبة " حزب الله " بوزارات وازنة هذه المرّة، حيث صارت العراقيل تشمل رفض رئيس الحكومة المُكلّف، التنازل عن أكثر من مقعد وزاري سنُي واحد من أصل ستة وزراء سنّة على أن يتم تعويضه بأحد المقاعد المسيحيّة، لأنّه يعتبر أنّ التنازل عن مقعدين سنّين من أصل ستة، يعني إفقاده القُدرة على التأثير على طاولة مجلس الوزراء ، وجعله بحاجة للتحالف مع أكثر من طرف سياسي للحُصول على "الثلث الضامن"، وهذا ما لا يُمكنه القبول به. وبحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ الحريري يرفض أيضًا توسيع الحكومة إلى 32 وزيرًا،
لأنّه لا يُريد تثبيت أعراف جديدة لا تصبّ في مصلحته ولا في مصلحة "تيّار المُستقبل"، خاصة وأنّ المُطالبة بتمثيل الطائفة العلويّة والأقليّات المسيحيّة، يعني عمليًا إضافة وزيرين لا يدوران في فلكه السياسي بل من حصّة سواه من المسؤولين. ودائمًا بحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ رئيس الحكومة المُكلّف سيُطالب بحصّة مُستقلّة عن "المُستقبل" في حال الإصرار على المُطالبة بحصّة لرئيس الجُمهوريّة مُنفصلة عن "الوطني الحُرّ". كما أنّه يرفض التنازل عن وزارتي الداخلية والإتصالات، طالما أنّ باقي الجهات السياسيّة تتمسّك بحقائبها، حيث ترفض مثلاً حركة "أمل" التخلّي عن وزارة المال ، ولا يُريد "التيّار الوطني الحُرّ" التخلّي عن وزارة الخارجية إلا في مقابل وزارة المال، لكنّه مُستعدّ لإستبدال وزارة الدفاع بالداخليّة، وهذا الأمر لا يُناسب "المُستقبل" لأنّه يعتبر أنّ منصب وزير الدفاع في لبنان هو معنوي، لأنّ الكلمة الفصل في المؤسّسة العسكريّة تعود إلى قائد الجيش وليس إلى وزير الدفاع، بينما الأمر مُختلف على مُستوى المؤسّسات الأمنيّة الرسميّة الأخرى المُرتبطة مُباشرة بوزارة الداخليّة.
ووسط هذه المواقف، تحدثت مصادر أنّ رئيس الحكومة المُكلّف حاول في الأيّام القليلة الماضية تسويق فكرة حُكومة مُشابهة من حيث الأحجام ومن حيث توزيع الوزارات المُصنّفة "سياديّة"، لحكومة تصريف الأعمال الحاليّة، على أن يتم إدخال بعض التعديلات عليها بالتزامن مع إعادة توزيع الحقائب الخدماتية الأساسيّة، مثل الأشغال والصحّة والتربية والتعليم العالي، إضافة إلى وزارة الطاقة والمياه التي ستلعب دورًا مُهمًّا جدًا في مرحلة توقيع عُقود النفط والبدء بتطبيقها، على القوى السياسيّة الرئيسة. وكذلك على أن تكون وزارة العدل جاهزة لتعويض أي طرف يشعر بالغبن، وعلى أن تكون باقي الوزارات غير السياديّة ولا الخدماتية موزّعة لتمثيل أوسع مروحة مُمكنة من القُوى السياسيّة. لكنّ الرفض جاء من أكثر من جهة سياسية، وفي طليعتها "التيّار الوطني الحُرّ" و و"الثنائي الشيعي"، حيث يأمل كل منهما بتوسيع نُفوذه في الحُكومة المُقبلة، إستنادًا إلى التحوّلات على مُستوى التوازنات الداخليّة والتي نتجت عن الإنتخابات النيابيّة الأخيرة.
وهكذا، يبدو أنّ أجواء التفاؤل التي كانت سائدة بالنسبة لتشكيل الحُكومة آخذة بالتقلص ، لصالح المزيد من أجواء التشاؤم ، خاصة وأنّ الخلافات بشأن بعض المراسيم والقرارات التي صدرت مؤخراً، أسفرت عن حجب الإهتمام عن حلّ العقد الحُكوميّة المُتراكمة، إلى تخفيف التشنّجات العائدة بقُوّة إلى الساحة الداخليّة وبدأ الحديث جديًا عن أنّه من غير المُستبعد على الإطلاق أن تتبدّد أجواء التفاؤل السابقة بسرعة تشكيل الحُكومة، لصالح أن يبدأ اللبنانيّون بإحصاء الأيام التي ستستغرقها عمليّة تشكيل الحُكومة المُقبلة، في تكرار لتجربة تشكيل الحُكومة الحالية والتي استغرقت فترة طويلة نسبياً،وهكذا سيبقى الإنتظار سيد الموقف حتى إشعار آخر.