القوات اللبنانية التي تبدي حرصها على تقوية موقع الرئاسة الذي تراجع بموجب اتفاق الطائف فإنها تبدو مربكة في التعاطي مع عون
 

"فيك الخصام وإنت الخصم والحكم" هذا هو المشهد الدرامي الذي يحكم العلاقة بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالرئيس العماد ميشال عون أو أنه يتماهى معه إلى حد كبير. 


ومن السذاجة بمكان الاعتقاد أن أسباب الصراع الخفي اليوم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر هي على عدد الوزراء لكل طرف في الحكومة المرتقب تشكيلها، أو أن الخلاف على وزير هنا ووزير هناك، أو على ما يتم اشاعته عن وزارة سيادية أو حقيبة خدماتية، فالصراع أعمق من ذلك بكثير ويتمحور حول الزعامة المسيحية، ومن هي الشخصية الأكثر شعبية في الشارع المسيحي والمؤهلة للامساك بزمام القرار دون منافسة تذكر. 


واللقاء الذي تم في معراب بين القطبين المسيحيين والأكثر تنافسًا على الزعامة سمير جعجع وميشال عون وبحضور المعاونين لكل قطب لم يستطع أن يزيل آثار الخلاف والنزاع والاحقاد المتراكمة والمتوارثة منذ الحرب التي اشعلها العماد ميشال عون في العام 1988 عندما فرض نفسه كرئيس للبلاد واستوطن في القصر الرئاسي بقوة الأمر الواقع وخاض حروبًا عبثية ضد منافسيه في الشارع المسيحي وعلى رأسهم القوات اللبنانية وأطلق عليها يومها حرب الإلغاء، وذهب ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى من الطرفين. 


واتفاق معراب، وإن كان خطوة متقدمة للملمة المسيحيين المشتتين، إلا أنه ليس كافيا لإزالة الندوب والجروح التي أصابت الجسم المسيحي على خلفية صراعات الزعامات الداخلية، فالجرح المسيحي لم يندمل في معراب. 


وسمير جعجع الذي يحاول أن يتجنب المواجهة المباشرة مع الرئيس عون فإنه لم يستطع أن يجنب نفسه ولا حزبه السهام التي يطلقها باستمرار الوزير جبران باسيل وريث التيار الوطني الحر والصهر المدلل والآمر الناهي في القصر الجمهوري والممسك بكل ملفاته، مستفيدًا من علاقة النسب التي تربطه برئيس البلاد والمتنقل بين العديد من الوزارات والذي يستغل موقعه الوظيفي ويسخر مقدرات البلد لخدمة أطماعه وطموحه ومشروعه المستقبلي الذي لا يقف عند حدود النيابة والوزارة بل إنه يستخدم هذه المواقع كمعبر لتحقيق طموحه الكبير بالتفرد بالزعامة المسيحية التي تؤهله مستقبلًا لوراثة كرسي رئاسة الجمهورية عن عمه العماد عون كما ورث عنه رئاسة التيار الوطني الحر. 

 

إقرأ أيضًا: تشكيل الحكومة بانتظار كلمة السر

 

وبالتالي فإن جعجع وعندما ترشح لرئاسة الجمهورية كمنافس قوي لعون، وبعدما قرأ الموقف السياسي والميداني بدقة في الداخل والخارج أدرك أن الوقائع محليا وإقليميا ودوليا لا تصب في مصلحة وصوله إلى موقع رئاسة الجمهورية فسحب ترشيحه لمصلحة منافسه العماد عون، وتم الترتيب للقاء في معراب، وتم التفاهم بين الطرفين في هذا اللقاء على تحييد الملفات الخلافية كالعلاقة مع النظام السوري ونزع سلاح "حزب الله"وعمق العلاقة التي تربط التيار الوطني الحر بحلفائه وعدم الغوص في مناقشتها، وعلى أن يقتصر النقاش بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على المسائل المرتبطة بمصلحة المسيحيين أولًا ومصلحة الوطن تاليًا. 


الا ان ما خفي عن تفاهم معراب كان أعمق من ذلك بكثير، إذ أن جعجع سحب ترشيحه لمصلحة عون على أن يكون في الانتخابات الرئاسية المقبلة هو المرشح الأقوى مسيحيًا ودون منازع. ولم يدخل في حسابات جعجع بروز مشاكس في الوسط المسيحي يتقن فن العداء والاستعداء والخصومة ومهووس بالزعامة إلى آخر حدود الأنانية يوزع الاتهامات والأباطيل يمنة ويسرة ولا يراعي عهدا ولا ذمة، الضارب بسيف الرئيس والذي يلعب على وتر العلاقة التي تربطه به كزوج لابنته. 


أما الرئيس ميشال عون والذي يوحي بأنه أبا للجميع فإنه يسعى لإيصال التيار الوطني الحر إلى الموقع الأقوى على المستوى المسيحي وعلى المستوى الوطني، وبالتالي فإنه يُهيء الظروف لرئيس التيار جبران باسيل لخلافته في بعبدا بعد انتهاء ولايته. 


والقوات اللبنانية التي تبدي حرصها على تقوية موقع الرئاسة الذي تراجع بموجب اتفاق الطائف فإنها تبدو مربكة في التعاطي مع عون وهي بالتأكيد لن تستطيع أن تتساوى مع التيار الوطني الحر بعدد الوزراء في الحكومة المقبلة سيما وأن هناك وزراء عونيون سيأتون على اسم الرئيس.


وهي تدرك أنه من الخطأ الرهان على نقطة تباعد أو خلاف بين العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل وبين عون وتياره.