لم يعد بالإمكان الحديث عن قوى 8 و14 آذار في الحياة السياسية اللبنانية لأنّ «الحابل إختلط بالنابل» وباتت اللعبة في مكان مغاير تماماً لما كانت عليه يدءاً من ربيع 2005.
 

يبقى يوم 14 آذار محفوراً في ذاكرة كل لبناني أراد التخلّص من الإحتلال وبناء دولة ذات سيادة، وموحَّدة تحت راية العلم اللبناني ويحميها جيشُها والقوى الشرعية فقط لا غير.


لا ينفع البكاءُ على الأطلال أو الترحّم على الماضي، لأنّ الأولويات السياسية تبدّلت وبدّلت معها الموازينَ الداخلية وأوصلت الصورة السياسية الداخلية الى ما وصلت اليه حالياً.


وبعد خيية الأمل التي حصلت نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة وخسارة قوى «14 آذار» بالمفرّق، يبدو أنّ الوضعَ لن يذهب الى حدِّ الهزيمة المدوّية سياسياً لأنّ التوازنات الإقليمية تفرض نفسَها على الساحة الداخلية، فلا المحور السوري- الإيراني قادر على السيطرة على لبنان حتى لو اعتبرت إيران أنّ «حزب الله» وحلفاءه فازوا بالغالبية النيابية وحصدوا 74 مقعداً، ولا المحور السعودي- العربي يرضى بالإنسحاب من بلاد الأرز وتركها لإيران، وهذا كله يؤثر على المشهد اللبناني.


لا يذهب أكثر الحالمين الى حدّ التخيّل أنّ 14 آذار ستعود كما كانت عند إنطلاق «ثورة الأرز»، فالأمانة العامة لهذه القوى أصبحت من الماضي وكل البُنى التنظيميّة لن تعاودَ عملها مثلما كانت تعمل سابقاً.


لكنّ العلاقات بين أحزاب وتيارات هذه القوى لن تصل الى مرحلة اللاعودة، خصوصاً أنّ مرسومَ التجنيس وحّد جزءاً من هذه القوى على رفضه، وهم «القوات اللبنانية»، «الكتائب اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، فيما هناك مكوّن كان يشكّل عصباً أساسياً لهذه القوى، أي تيار «المستقبل»، كان شريكاً في تمرير هذا المرسوم.


من هنا، فإنّ بارقة أمل تظهر من بعيد، وهي عودة الحزب «الاشتراكي» الى لعب دوره في الموضوعات والملفات السيادية التي تهمّ جمهور «14 آذار» الحزين على مشهد إفتراق حلفاء الأمس، وتحوّلهم الى مجموعات متناحرة قبل إنجاز مشروع بناء الدولة الذي ناضلوا من أجله.


وتضاف الى كل ما ذُكر، عوامل عدة تزيد من الأمل في التنسيق في المرحلة المقبلة أبرزها أنّ رئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط ما يزال محافِظاً على عدائه مع النظام السوري وثابتاً على موقفه تجاهه والذي يدعو الى رحيله. أمّا العامل الثاني فهو العلاقة المتقدِّمة والمتينة التي تربط جنبلاط بـ»القوات»، والتي تُرجِمت من خلال التحالف الإنتخابي في الجيل وتحقيق فوز واضح، وهذه العلاقة تتفوّق على علاقة جنبلاط بالرئيس سعد الحريري وعلاقة الدكتور سمير جعجع بالحريري.


والإشارة الأهم هي زيارة جنبلاط الى السعودية ولقاؤه وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وهذه إشارة إيجابية خصوصاً أنّ الرياض تسعى الى «شدشدة» حلفائها في لبنان، وعدم السماح لـ»حزب الله» وحلفائه بوضع اليد على البلد دستورياً، بعدما سيطروا على قراره منذ أيار 2008 بفعل فائض القوة الذي يملكه.


ويرى كثر أنّ العودة الجنبلاطية مهمّة جداً لأنّ جنبلاط كان رأس حربة «14 آذار» وبوصلة هذه القوى. ومن جهة ثانية، فإنّ «14 آذار»، أي تيار «المستقبل» و»القوات» و»الكتائب»، يملكون فقط 40 نائباً ويحتاجون الى كتلة حنبلاط لتشكيلِ ثلثٍ معطّل، وكذلك الأمر بالنسبة الى الحكومة، حيث يحتاجون أيضاً الى وزراء الحزب «الاشتراكي» لتشكيل ثلثٍ معطّل يقف في وجه الفريق الآخر خصوصاً في القرارت الكبرى.


وقد تكون عودة الكتائب الى الإجتماع مع «القوات» و«الإشتراكي»، ولو لمعارضة مرسوم التجنيس، بادرة إيجابية، بعدما عاش الكتائب فترة من الصدام مع كل المكوّنات السياسية، نتيجة محاولته قيادة قوى ما عُرف بالمجتمع المدني، والتي أثبتت فشلها في الإنتخابات، في حين أنّ الكتائب صاحب خطاب سيادي، وقدّم الشهداء دفاعاً عن لبنان، وكان آخرهما الوزير بيار الجميل والنائب أنطوان غانم.


والنقطة الأهم هي تأليف الحكومة، حيث لا يمانع الحريري في إعطاء «القوات» حصة وازنة كما تطالب، في حين أنه يؤيّد مطالب جنبلاط في حصوله على الحقائب الدرزية الثلاث، إضافة الى أنّ حزب الكتائب سمّى الحريري لرئاسة الحكومة، ما يذوّب الجليد بينهما والذي تراكم في المرحلة السابقة.


لا شكّ أنّ الرياض تلعب دوراً متقدّماً في الحفاظ على «شعرة معاوية» بين قوى «14 آذار»، وهذا الأمر يعود الى نظرتها الى لبنان وعدم سماحها لـ»حزب الله» بوضع اليد عليه، في حين أنّ أحزابَ وتيارات «14 آذار» مدعوّة الى إجراءِ نقدٍ ذاتي بعدما أهدت القوى الأخرى عدداً كبيراً من النواب نتيجة إدارتها السيّئة للمعركة النيابية، ما جعل الخصوم يستفيدون ويتقدّمون، فهل سيستمرون في تقدّمهم أو أنّ هذه القوى ستعي خطورة المرحلة المقبلة وتستفيق لتنقذ نفسَها والبلد؟