منذ بضعة أيام، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بفيديو لإحدى مذيعات البرامج اللبنانية... وَقعت في «فخ» زلّة اللسان، وهي تتكلّم عن الجنسية اللبنانية. عادةً تصيب زلّة اللسان فاعلها بنوع من الارتباك و»الخجل» عندما يدرك أنّ المحظور قد قيل... وأنّ النوايا أو الأفكار الكامنة بطريقة واعية أو غير واعية في فكره، قد نُقِلت إلى العلن. وهذه المشاعر والأفكار تحمل غالباً معانيَ جنسية، أو قد تعبّر عن الغضب، الحب، التوتّر... ولا يرغب الشخص في الكشف عنها. فما هي زلّة اللسان؟ وما هو تفسيرها النفسي؟ وهل يمكن تجنُّبها؟
 

فرويد، أبو التحليل النفسي هو مِن أوائل العلماء الذين فسّروا «زلّة اللسان» Lapsus على أنّها «هفوة كلامية»، تنقل اللاوعي من أمنيات ورغبات مكبوتة وأفكار غير معلَنة من العقل الباطني إلى العالم الخارجي. والجميع بدون استثناء، يمكن أن يقع في قبضة زلّة اللسان، فتظهَر حقيقة أفكارنا بدون أن تكون لدينا نيّة في فضحِها. وتترافق زلّات اللسان مع نوع من الارتباك، وكأنّ اللاوعي المكبوت قد ظهَر علناً بدون أيّ إذن.


وعادةً يقع الإنسان في شباكِ زلّة اللسان عندما يشعر بالانفعال أو الانزعاج أو التوتّر أو الضغط النفسي أو الغضب ... كما عندما ينتابه الإرهاق والتعب، أو خلال إلقائه خطاباً مفعماً بالمشاعرِ والتشنّجات.

 

تفضَح صاحبها


يمكن أن تؤدي «التعابير اللاوعية» إلى مشكلات عديدة مع الآخرين وصولاً إلى إحداث اضطرابات علائقية مع أصدقاء أو أقارب أو زملاء، حتّى إنّها سبَّبت صرفَ العديدين من عملهم.


ولا تكون زلّة اللسان شفهية فقط من خلال قول كلمة أو عبارة بدل كلمة أو عبارة أخرى، بل يمكن أن تكون مكتوبة في رسالة، مثلاً حين يستبدل الكاتب كلمة بكلمة أخرى... أو حتى إيمائية باستبدال حركة جسدية بحركة أخرى.


خطأ لفظي... أو نيّة كامنة؟


في كتابه الأساسي حول التحليل النفسي والتفسيرات العلمية «علم النفس المرضي في الحياة اليومية» (1901): Psychopathologie de la vie quotidienne، اعتبَر فرويد، مؤسِس المدرسة التحليلية أنّ «زلّات اللسان» ليست «بريئة» البتّة، بل تعكس رغباتِ الإنسان الحقيقية وأمنياته المدفونة في لاوعيه الباطني. ولكن كيف استطاع فرويد التأكّدَ من أنّ زلّات اللسان موجودة في اللاوعي الإنساني؟
يفسّر هذا العالم النمساوي النقاط التالية حول زلّات اللسان:


• زلّة اللسان هي تراكمٌ لأفكارٍ موجودة في اللاوعي الإنساني.
• يَظهر هذا اللاوعي إلى العلن من خلال «زلّة اللسان» أثناء حديث معيّن يتخلّله انفعال أو خلال أحداث معيّنة.
• زلّات اللسان تفضح مشاعر الإنسان المكبوتة، وهو بعض الأحيان لا يفكّر بها لأنّها مترسّخة في ذهنه وعقله الباطني.

 

نظرية أخرى...


يَعتبر الكثير من العلماء والأطبّاء والاختصاصيين النفسيين أنّ تفسيرات فرويد حول زلّات اللسان صحيحة ولا شكّ فيها. ويَعتقد «الفرويديون» أن لا شيء يَحدث بالصدفة، خصوصاً على الصعيد السلوكي. ولكلّ سلوك أسبابُه، وطبعاً ردّات الفعل تكون مغايرةً حسب السلوك وحسب التكوين الشخصي للإنسان.
في المقابل، لم يتبنَّ آخَرون كلام فرويد حول الرغبات الكامنة وزلّات اللسان. ويرى علماء في مجال اللغة، أنّ الجميع يمكن أن يستعمل كلمةً بدل كلمة أخرى، ولا يجب تضخيم الأمر وتفسيره من الناحية التحليلية، لأنّ زلّة اللسان هي غلطة كأيّ غلطة يَرتكبها الإنسان خلال الكتابة مثلاً أو خلال حديثه مع أصدقائه. ويَعتبر هؤلاء أنّ زلّات اللسان ليست سوى أخطاء تُذكّر بأخطاء الطفل الصغير الذي يستعمل كلمةً بدل أخرى للتعبير عن حاجياته.

 

... ومِن أشهر زلّات اللسان


على الصعيد العالمي، يتذكّر كثيرون خطاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا سركوزي، حين استبدل كلمة Conscience بكلمة Confiance، وأتى معنى الكلمة مغايراً جداً وذات دلالات نفسية خطيرة عن قلّةِ ثقتِه بنفسه.


كما استبدل أحد الرؤساء السياسيين كلمة Publique بكلمة Pubic ذات المعنى الجنسي الفاضح، وكلمة Ravin بكلمة Vagin (العضو الجنسي عند الأنثى). بدورها، وصَفت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بكلمة «زوجي» في إحدى حفلات العشاء في واشنطن. وسبَّبت زلّة اللسان هذه بلبلةً في الوسط السياسي. وطبعاً لهذه الزلّة تفسيراتُها النفسية، ومنها أنّ رايس تمنّت أن تكون زوجة الرئيس الأميركي. كما فُسِّرت زلّة لسان السيّدة الأولى السابقة ميشيل أوباما بأنّها تشعر بالوحدة حين قالت: «أشعر بأنني أم عزباء مشغولة»، ثمّ صحّحت كلامها قائلةً: «أشعر بأنني أم مشغولة».


وفي العالم العربي أيضاً، تأخذ العديد من زلّات اللسان منحى كوميدياً أو درامياً، خصوصاً عندما يستبدل أهلُ السياسة أسماء رؤساء بأسماء أخرى، أو يستبدلون صفاتٍ بصفات أخرى، ومنها حين نادى الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي نظيرَه التونسي بـ «فخامة الرخيص» بدل فخامة الرئيس!