في حين يتم طرد نساء وأطفال سوريين من حديقة في الأشرفية، يقول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله: "لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سوريا لن نخرج إلا بطلب من القيادة السورية"، ولا نسمع أي رد فعل من أهل السلطة الغيارى على السيادة يتعلق بتصرف حزب لبناني مسلح يتباهى بأنه فوق الدولة والمؤسسات.  

غني عن الإشارة، ان وجود الحزب الالهي في سوريا لا يقتصر على المقاتلين، بل هو يمتد ليشمل عائلاتهم واقاربهم واصحابهم الذين احتلوا منازل في القصير والقلمون ليقيموا فيها او يمضوا اجازاتهم في الربوع المحتلة.

الأكيد ان الأمن العام السوري لن يلاحقهم ليطالبهم بتنظيم وثائق اقامتهم او تحميلهم مبالغ إضافية اذا ما كسروا فترة الاقامة.

كذلك لم نسمع من مسؤول في النظام الأسدي أي لغة عنصرية تجاههم. السبب يكمن في ان هذا النظام لم يعد موجوداً الا عبر المشروع الإيراني والمصالح الروسية، وهو يطيع الأوامر وينفذ المطلوب اقليمياً. ونقطة على السطر.

مجريات الأمور تؤكد ان القيادة الاسدية تتصرف حيال المحتلين الجدد كالجرموذ في حضرة القائد. هي تسمع الكلمة وتصدر القوانين الملائمة لمن وضع يده على سوريا مقابل إبقاء النظام. لذا كان الإحراق المنهجي للسجلات العقارية في المناطق التي نظفت من سكانها الاصليين، وتحديداً في الحزام الذي يحيط بالبقاع، من الزبداني إلى داريا ومحافظة حمص وبلدة القصير على الحدود اللبنانية.

ففي كل يوم تنفذ عملية اقتلاع كامل للسوريين في مناطق الحزام، من خلال ارغامهم على النزوح حاملين جثث موتاهم. تترافق عملية الاقتلاع مع قصف يعتمد تسطيراً كاملاً لقراهم وبلداتهم واحيائهم، يتبعه نهب وتعفيش لا يوفر المفروشات والأدوات الصحية وتمديدات الماء والكهرباء والهاتف وتلف المستندات والوثائق العقارية والأوراق الثبوتية.

كي لا ننسى، قبل ما يقارب السنتين قال احد جهابذة النظام الاسدي ان لا عودة لمن لا يملك اوراقاً ثبوتية، لأن لا شيء يؤكد انه يحمل الهوية السورية. وهذا ما حصل في احياء عدة من حمص.

قبل فترة صدر القانون الرقم 10 القاضي بعدم الاعتراف للسوريين بأملاكهم ما لم يقدموا وثائقهم، وتحديداً في الأماكن التي تم قصفها بطريقة التسطير، تسهيلاً لإعادة البناء وفق مشاريع لا تلحظ ما كان قائماً قبل الترحيل والتدمير الممنهج.

المشهد لا يحتاج الى تعليق، فهو ينضح بما يحتويه من بشاعة. عنصرية وانتهازية واحتلال، بموافقة نظام مرتهن وتحت السيطرة الكاملة والكلية للمشروع الإيراني، سواء في لبنان او في سوريا.

الأخطر في المسألة، ما سوف ينجم عنها من خلق بيئة كره وتطرف لا شبيه لحدتها. "حزب الله" ومعه عراقيون وشيعة أفغان وباكستانيون وزينبيون، يحلّون محل السكان الأصليين ليفرض المد الشيعي نفسه على من تبقى من الشعب السوري. لا لزوم للتوقف عند إرادة هذا الشعب الذي لن يُترك له مستقبل الا الانصياع او التشرد حيث يمكن ان يقبلوا به، او التطرف للانتقام.

في المشهد أيضاً، لبنان القوي بنسخته الجديدة، يفلش عضلاته وعنصريته على لاجئين لا حول ولا قوة لهم، ويغذي بيئة حاضرة لإبادتهم انطلاقاً من التعصب الاعمى، ولا يفكر في تبعات الامر على المسيحيين تحديداً، اذا ما فلت الملقّ في لحظة تخلٍّ تعيدنا الى ما هو أبشع من الفلتان الأمني.

وفي حين يذهب بعيداً وزير الخارجية جبران باسيل في الإصرار على إعادة اللاجئين السوريين الى الداخل السوري بمعزل عن القوانين الدولية للجوء، والتواطؤ الواضح لإدخال هذه العدد الكبير من السوريين الى لبنان، ومن ثم تحويلهم أزمة إنسانية كبيرة، وبمعزل عن مصير هؤلاء مع التنظيف الديموغرافي القائم على قدم وساق، وبمعزل عن مصادرته دور الحكومة مجتمعةً، يكحّل اعيننا ملف التجنيس بأسماء سورية وعراقية وفلسطينية، سيرة أصحابها من العيار الثقيل الدسم، وتنشط المؤتمرات والتحركات لأركان النظام الاسدي في لبنان الحافلة بالاغراءات الاقتصادية لفئة لم تشبعها الصفقات المحلية التي اثقلت الأرصدة واتخمت الجيوب، وهي اليوم، ومن خلال ولائها وعلاقاتها، تسعى لنهش حصتها من إعادة إعمار سوريا. ونيال من نفع واستنفع.

قد تفيد العنصرية المتمادية تجاه اللاجئين السوريين، فتدفعهم إلى العودة، اذا ما سمح لهم النظام، غير عابئين برمي أنفسهم في جحيمٍ يعرفون مفاعيلها، لتجنب القرف اللبناني.

في الانتظار، لو اجتمع العالم كله، سيُطرد الأطفال اللاجئون مع عائلاتهم والمقيمون في مناطق تحظر تجولهم عندما تغيب الشمس، من حديقة الأشرفية.