الخوف من النقد وإن كان عادة متأصلة في مجتمعاتنا، فإنه يسيطر أكثر على الفنانين الذين صاروا يمتهنون خداع المقتنيين بخبراتهم الزائفة سعيا منهم إلى خلق سوق فنية.
 

يشكو الفنانون العرب من غياب النقد الفني، حقيقة لا خلاف عليها، لم يعد هناك نقد فني في ما نقرأ، غاب النقد بغياب النقاد الكبار، تلك كذبة نقبل بها جدلا.

ولكن هل يرغب الفنانون العرب اليوم حقا في قيام نقد فني حقيقي؟ ذلك ما أشك فيه، بل سأكون صريحا وأقول بناء على خبرتي الشخصية “إن معظمهم لا يرغب في ذلك، بل ويبذل أقصى جهده من أجل إفشال كل محاولة جادة للتفكير في ضرورة قيام نقد فني مستقل وحر ونزيه”.

لقد تغير مفهوم النقد، فإما أن يكون الناقد مروجا أو أن عليه أن يسكت، من وجهة نظر الفنانين فإن زمن الناقد الذي يُخيف قد انتهى مع ظهور المنسق الفني، وهو رجل أعمال يقوم بوساطة مزدوجة بين الفنان وقاعة العرض وبين قاعة العرض والصحافة.

هناك عمليات بيع وشراء تتم في الخفاء تنتج عنها مقالات مديح يدبجها كتاب محترفون، صاروا يتصدرون المشهد باعتبارهم رسل الثقافة المعاصرة، وهناك أموال هي بمثابة الزيت الذي يسهل عمل ماكنة الدعاية.

“ادفع مقدما، تجد صورتك وصور أعمالك تملأ صفحات الصحف”، ما معنى الحاجة إلى النقد بعد ذلك؟ بعض الفنانين كانت لهم اليد العليا في صنع مشهد فني هو أقرب إلى المسرحية الهزلية منه إلى الحقيقة التي يتمكن من خلالها الجمهور من تمييز الخطأ والصواب.

لقد استعانت القاعات بتشجيع من بعض الفنانين بـ”خبراء منتحلين أجانب أو نصف أجانب” لتقوم بمهمة تغييب النقد الحقيقي لحساب الإعلاء من شأن فنانين نفدت عدتهم الفنية، وصار عليهم أن يعتزلوا.

وكما أرى فإن الخوف من النقد وإن كان عادة متأصلة في مجتمعاتنا، فإنه يسيطر أكثر على الفنانين الذين صاروا يمتهنون خداع المقتنيين بخبراتهم الزائفة سعيا منهم إلى خلق سوق فنية تدر عليهم أرباحا خيالية، ما كانوا يحصلون عليها لو أن هناك نقدا حقيقيا. لذلك صارت جملة من نوع “لمَ لا تسكت” تملأ أذن الناقد كلما حاول الكلام.