أُدرج القرار الذي اتخذه وزير الخارجية جبران باسيل بوقف تجديد الاقامات لموظفي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، في خانة السياسة على اعتبار انه قرار له حساباته وأهدافه وخلفياته السياسية، لكن البعض يعتبر ان تداعيات القرار ستكون أوضح وأكثر خطورة على الوضع الاقتصادي.
 

بدا للوهلة الاولى مُستغرباً أن يتولّى مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية نديم المنلا الرد على باسيل. وفي حين فسّر البعض الأمر بأن المنلا مسؤول أيضاً عن ملف النازحين في رئاسة الحكومة، يبدو ان الأمر يتجاوز هذا المفهوم. وهناك من يعتقد ان دخول المنلا على الخط، قبل سواه من تيار المستقبل، انما يعكس الخطورة التي شكّلها قرار باسيل على الوضع الاقتصادي. وبرأي هؤلاء، دقّ باسيل المسمار الاول في نعش مؤتمر «سيدر-1»، وهذا هو مكمن القلق الأساسي لدى فريق رئيس الحكومة، من دون التنكّر للأسباب الأخرى المرتبطة برفض الحريري المس بصلاحياته او صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً، أو المس بعلاقات لبنان بالدول الصديقة، والمجتمع الدولي.


الرابط بين موقف باسيل ومؤتمر سيدر واضح لجهة ان العلاقة بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والاتحاد الاوروبي علاقة خاصة، تتجاوز رابط العلاقة العضوية مع الأمم المتحدة، على اعتبار ان أوروبا تولي هذا الملف اهتماماً استثنائياً، وهذا أمر معروف يرتبط بمصالح الاوروبيين ومخاوفهم من موجات النزوح في اتجاه دولهم. كما ان الطبيبة ميراي جيرار ممثلة المفوضية في لبنان، والتي يجري الحديث اليوم عن عدم تجديد اقامتها بهدف اجبارها على مغادرة البلد هي فرنسية، وتحظى بعناية واحترام السلطات الفرنسية. وهنا يُطرح السؤال، هل يمكن الاستمرار في تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، في حال دخل لبنان الرسمي في وضعية صراع مع الاتحاد الاوروبي، ومع فرنسا تحديداً، التي لعبت دور رأس الحربة في انعقاد المؤتمر وحشد المشاركين فيه، لمساعدة لبنان؟

وهل ان مشاريع البنى التحتية التي تستهدف فيما تستهدف توفير فرص عمل للبنانيين والسوريين النازحين في آن، وهذا الأمر مُعلن بوضوح من قبل بعض المانحين، ستبقى قائمة في حال تصاعد الخلاف مع مفوضية اللاجئين؟


هذه التساؤلات مشروعة، ولا تهدف الى التهويل، ولا الى التقليل من أهمية السيادة اللبنانية، لكنها تسلّط الضوء على حال الوهن التي أوصلت السلطة السياسية البلد اليها، وجعلته على حافة الانهيار المالي والاقتصادي، الأمر الذي زاد في منسوب التنازلات المطلوب تقديمها.


في سياق متصل، يمكن إدراج موضوع ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل اليوم. وهناك من يعتقد ان ما كان مرفوضاً لبنانياً في الأمس صار مقبولاً اليوم، ولو جرى تغليفه بمسألة وجود مبادرة اميركية جديدة استدعت حماسة لبنانية للمُقترح. الحقيقة ان لبنان الرسمي أدرك متأخرا ان الوضع المالي أصبح اليد التي توجعه، ومن يمسكه بها يجعله يتألم ويصرخ. وهذا الوضع الاقتصادي الدقيق، ذكره الوفد الأميركي الذي زار بيروت قبل فترة، وعرض امام المسؤولين مسألة ترسيم الحدود، في قالب حمل تسمية عرض اسرائيلي، ورعاية أميركية. ولم ينس الوفد التركيز على أهمية الترسيم السريع ليبقى الوقت متاحاً امام الانقاذ الاقتصادي من خلال الافادة من الغاز والنفط في البحر، قبل ان يحصل الانهيار، ويصبح تصحيح ما انهار أصعب، ومُكلفاً أكثر بكثير.


اذا أضيفت الى هاتين الواقعتين (العلاقة مع اوروبا وترسيم الحدود مع اسرائيل) قضية العقوبات الأميركية بعد احتدام الصراع مع ايران، والشظايا التي قد تصيب الاقتصاد اللبناني جراء توسّع هذه العقوبات مستقبلا، وهذا ما يبدو مرجّحا حتى الان، بشهادة من زار واشنطن واطّلع من المسؤولين الأميركيين على الاجواء، يصبح المشهد اكثر وضوحاً. كل خطوة في علاقات لبنان الخارجية في الوقت الراهن، ينبغي أن تُدرس بعناية استثنائية، لأن زلات الرِجِل في هذا الوضع المالي باتت توصل الى هاوية لا يمكن الخروج منها بلا أضرار جسيمة توازي الاعاقة الدائمة.


من أوصل البلد الى هذا الوضع هو نفسه من يحاول اليوم تجنيبه الانهيار، فهل ينجح الجلاد في إنقاذ ضحيته قبل فوات الاوان؟