رؤى قتلت . بأي ذنب قتلت ...؟
ذاك السؤال المضرج بالدم : أيها الشيعة , الى أين أنتم ذاهبون ؟!
طائفة بكاملها في يد القتلة . لا جفن يرف ما دام الضحايا من منطقة بعلبك ـ الهرمل . لبنانيو الدرجة الثالثة . شيعة الدرجة الثالثة .
الطائفة في خطر. لا الدولة معنية بها . لا القادة معنيون بها. أصحاب السعادة في أبراجهم العالية , وقد احترفوا المواعظ الدينية الى جانب المواعظ السياسية . رؤى , ابنة السنوات الأربع , لم تسقط أثناء القتال ضد أميركا , ولا أثناء القتال ضد اسرائيل أو ضد المغول الجدد . قتلت لأنها ولدت شيعية. في منطقة لم يعد فيها السلاح زينة الرجال . فضيحة (بل جريمة) الرجال . 
"انظروا , هؤلاء هم الشيعة" . الشعار استخدم بكثافة ابان الحملة الانتخابية , وحيث بدا أن الطوائف الأخرى أعلنت الانفصال عن الطائفة الشيعية التي لم يعد هناك من مجال للتعايش معها.
رداً على مقالة سابقة , علّق احدهم "لسنا زنوج الدولة اللبنانية بل زنوج الطائفة الشيعية" . لماذا لا تكون الصراحة؟
التوجس من الشيعة في ذروته . أبعد من ذلك بكثير . أجواء من الكراهية , ومن الكلام عن الطائفة "الضائعة بين ثقافة الموتوسيكلات وثقافة الفانات" اذا ما اقتربنا من الضاحية الجنوبية . لا بأس أن تجتاح الأراكيل , وحبوب الكبتاغون , الأجيال الجديدة .
دور غالبية رجال الدين يقتصر على النحيب عبر مكبرات الصوت . لا شيء . لاشيء آخر على الاطلاق .
كما لا يتجرأ المرء على المجازفة وعبور الطرقات , ليلاً , في منطقة بعلبك ـ الهرمل , وقد تحولت الى أدغال , الضاحية توشك أن تكون الأدغال ان لم تكن قد تحولت الى أدغال .
لا نشكك في أن أكثرية الشيعة في البقاع من "الأوادم" . لا دور للـ"أوادم" هنا . الساحات , بما فيها ساحات المدينة , مشرعة أمام عصابات الليل وعصابات النهار . سلاماً شيكاغو في زمن آل كابوني .
الطائفة التي دحر أبناؤها (أبطالها) البربرية الاسرائيلية الآتية من ليل الآلهة , ودحروا البربرية الداعشية الآتية من ليل الأقبية , تدخل أكثر فأكثر في الخراب , تحت عنوان "فائض القوة" . هوذا فائض الفوضى .
أكثر من مرة رفعنا الصوت . ما في حدا . قد يتحمل الشيعة الشعائر الدينية , أو الشعائر المذهبية , بمكبرات الصوت ليلاً نهاراً . هناك مناطق مختلطة , وعلى السنّة والمسيحيين والدروز , وعلى من يوصفون بـ"أنصاف المؤمنين" , أن يخضعوا لمكبرات الصوت رغماً عنهم , وحيث رجل الدين الجليل يمضي ساعتين في الحديث عن البعوضة التي تفسد الوضؤ . يا مولانا , ساعتان , بالصوت الذي يزعزع الجدران ويزعزع الآذان , من أجل بعوضة ؟
كل الطقوس , حتى صلاة الجمعة يا جماعة , تتم عبر مكبرات الصوت (مجالس العزاء حتى في ليلة القدر) . لا أحد يتجرأ على الاعتراض . اللغة الداعشية جاهزة للاقصاء
والتكفير .
 كلما ارتفعت مكبرات الصوت , كلما لاحظنا شيئاً آخر على الأرض . السقوط الأخلاقي , التصدع في العلاقات داخل البيت الواحد , تردي القيم , الفوضى التي هي البوابة الكبرى, البوابة الاحتفالية , للانهيار .
رؤى التي سقطت في بريتال , وغالبية أهلها من الأوادم , هي الصرخة . ايها الشيعة , الى أين أنتم ذاهبون ؟ حتى في البقاع الأوسط يلعلع الرصاص قي المناسبات السعيدة ولو كانت ولادة بقرة . لمن الشكوى في هذه الحال ؟
ابان الوجود السوري في لبنان . الضباط , أو جلّهم , انتهكوا كل الحرمات . وكانوا يرددون "يا ليتنا بأخلاقية الرئيس حافظ الأسد" من حيث الزهد والابتعاد عن مباهج الدنيا . الآن يردد قبضايات الشيعة "يا ليتنا بأخلاقية السيد حسن نصرالله" .
ما المانع أن يكونوا بأخلاقية السيد , وعلى خطاه ؟ أهالي الهرمل محرومون . أبناء عرسال ودير الأحمر أليسوا محرومين ؟ لماذا لا يتحاورون بالقاذفات الصاروخية وبمدافع الهاون ؟
لا أحد يتصور مدى التدين (والتمذهب) عند الشيعة . المساجد تغص بالمصلين . الحسينيات تغص بالحزانى . لا أحاديث سوى الأحاديث الدينية . العودة في كل لحظة الى السلف الصالح . على الأرض لكأننا في كوكب آخر .
رؤى , الباقية في ضميرنا , تسألكم : كيف يمكن للباكين (المتباكين) على الحسين أن يكونوا القتلة ؟ يا رؤى لا من يرى ولا من يصغي . العيون صماء , الآذان صماء ...!


نبيه البرجي