كانت مؤثرة ، الكلمة التي وجهها المرشد الايراني علي خامنئي قبل أيام، باللغة العربية، الى الشباب العربي داعياً اياهم الى التحرك ضد "بعض الحكومات العربية التي باتت عدوة لشعوبها"، وإلغاء ما وصفها ب"المعادلة الباطلة" المتمثلة ب"الخضوع للهیمنة الأمریکیّة، وعدم اتّخاذ موقف حازم وحاسم من العدوّ الصّهیونيّ الغاصب، والمواقف العدائیّة من الإخوة، والتّزلّف للأعداء"، ليختم بالتذكير  بضرورة المشاركة في يوم القدس ، الجمعة، والدفاع عن الشعب الفلسطيني.

 

لم يكن من الصعب تحديد هوية الحكومات التي باتت عدوة لشعوبها، ولا الحكومات المستثناة من ذلك العداء، وان كان الفرز الايراني في هذه الحالة لا يستقيم مع أي منطق أو واقع. كما لم يكن من العسير ايضا تفكيك تلك "المعادلة الباطلة"، حتى وفق حساب إيران نفسها ، التي تبدو اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، بحاجة الى شراكة عربية في مواجهة الهيمنة الاميركية والعدو الصهيوني .. يتمنى خامنئي  أن يجدها في الشباب العربي، أو حتى في ربيع عربي جديد، مختلف عن ذاك الذي ناصبته إيران العداء في مطلع العقد الحالي، وما زالت تقاتل حتى اليوم، آخر بقاياه في سوريا.

 

إيران في أزمة، هي تبحث عن حلفاء عرب.  الاستثمار السياسي في البرنامج النووي بلغ ذروته. وبدأ العد العكسي. التوسع الذي حققته إيران في السنوات الثلاث الماضية التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي مع الغرب، وصل الى حده الاقصى. ثمة مؤشرات عديدة على أن مرحلة الانكفاء الايراني لم تعد بعيدة. ولعل المقدمة الاولى، هي في سوريا ، التي سلمت طهران بإستحالة تحويل حدودها الجنوبية الى جبهة مواجهة ثانية مع العدو الاسرائيلي، رديفة للجبهة اللبنانية، او بتعبير أدق، بديلا منها.

 

وفي هذا التسليم إذعان إيراني سريع، او ربما، عدم صمود كافٍ أمام الضربات الاسرائيلية المتلاحقة التي إستهدفت الوجود العسكري الايراني في سوريا مؤخرا، وهي ضربات تلقى أكثر منها لبنان وصمد ولم يستسلم، وكذلك فعلت منظمة التحرير الفلسطينية التي تصدت للاسرائيليين طوال عقود المواجهة العسكرية، وقاتلتهم حتى الرمق الاخير  خارج أرض فلسطين.. قبل ان تنقل الصراع الى الداخل الفلسطيني، وتلتزم بشروطه الجديدة.

 

الابتعاد عن الحدود مع إسرائيل لا يعني ان  إيران ستغادر سوريا باي شكل من الاشكال. هي باقية في العمق السوري مهما كلف الامر  ، حتى ولو بالاشتباك مع الروس وتحويل وجودهم العسكري وطموحهم السياسي في سوريا  الى جحيم. والتجربة العراقية مثالٌ حيٌ على ما يمكن ان تفعله القيادة الايرانية مع قوة وافدة من وراء الحدود، دفاعاً عن مكتسباتها ومصالحها الحيوية في العراق.

 

وهنا تكمن المشكلة: الخطاب الاسرائيلي الذي سيصبح بعد فترة وجيزة خطابا رسميا أميركيا، يطلق الان فكرة بالغة الخطورة، مفادها ان إيران تشيع سوريا وتقيم فيها جيشاً شيعياً، حسب التعبير الحرفي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام، يضم نحو ثمانين ألف مقاتل شيعي، وهو بالمناسبة رقم مستمد من الروس أنفسهم الذين سربوا العام الماضي معلومات عن أن القوات المقاتلة على الارض السورية تحت الأمرة الايرانية تضم هذا العدد من المقاتلين الايرانيين واللبنانيين والعراقيين والافغان وغيرهم.

 

ما يهم الان، وما يترقبه الاسرائيليون (والاميركيون طبعا) وما يعدونه به، هو فصل جديد من الصراع المذهبي السني الشيعي، في سوريا . هذا الصراع ليس طارئاً ، ولا مفتعلاً، بل هو مقيم في المشرق العربي منذ زمن بعيد، وهو متفجر منذ الغزو الاميركي للعراق، الذي كان في خدمة أحد المذهبين الاسلاميين، ولا يزال، والذي إنتفعت منه إيران أيما منفعة، ولا تزال..

 

عن هذا الصراع لم يقل خامنئي شيئاً، لم يقم بأي مراجعة، لم يشر الى مسؤولية إيران، أو إلى إستعدادها للتفكير والتأمل. الآن هو موعد إسقاط "المعادلة الباطلة" إياها، والتي لم تكن باطلة عندما ذهب الايرانيون الى إتفاقهم النووي مع الغرب في العام 2015.