…وإنضم الشاب المهندس حسين السحمراني الى قافلة المغدورين ظلما وعدوانا على يد “غادر” متنكر بزيّ عمّ، ليكون شاهدا جديدا على قانون غاب يحكُمنا، فيُصدر من بيده السلاح قرار الإعدام، ويُحدد الزمان والمكان وينفذ بدم بارد، وعلى أتفه الأسباب.

سقط حسين السحمراني شهيدا مظلوما، بفعل خلاف بين عمه ووالده الذي أصيب برصاص شقيقه وما يزال يعالج في المستشفى، وذلك بسبب خلاف على قطعة أرض، فكان المال بالنسبة للعمّ أغلى من حياة شقيقه وإبن شقيقه، فأطلق النار عليهما من مسدسه الحربي، فقتل شابا بعمر الورود كان على وشك التخرج مهندسا، وأصاب شقيقه، ليخسر سنده وعضده وعائلته ويخسر الأرض والمال.

يبدو أن مسلسل القتل والموت المجاني مستمر، فبعد أن أقفل شهر أيار على 33 قتيلا سقطوا في لبنان بحوادث مختلفة أغلبها جرائم قتل أو إنتحار لأسباب مجهولة وربما تكون بسبب الوضع المزري الذي يخيم على اللبنانيين، أكمل شهر حزيران المآسي وبنفس الوتيرة حيث عثر على أحد المواطنين يدعى ب . ف مقتولا في الضبية، كما عثر أمس على شاب مقتول في سيارته في كسروان، قبل أن تشهد بلدة الدورة في عكار جريمة قتل الشهيد حسين السحمراني وإصابة والده في مأساة تدمي القلوب.   

كل ذلك يطرح كثير من الأسئلة، لجهة: هل بات لبنان بلد تسوده لغة القتل أو شريعة الغاب، فيما الدولة تنشغل في زيادة مكاسب مسؤوليها المهتمين بزيادة ثرواتهم، وفي كيفية منح الجنسية المدفوعة الاجر سلفا الى بعض المتمولين، فيما تتصارع التيارات السياسية على حقيبة وزارية من هنا، أو منصب من هناك، في وقت يسعى فيه رئيس الحكومة المكلف الى تبرير “بيع” الجنسية، ويسعى الى إغراق اللبنانيين بالتفاؤل بقرب تشكيل الحكومة التي تحيط بها العقد والعراقيل من كل حدب وصوب.

لم تعد قلوب اللبنانيين تحتمل، وهم يرون الشباب يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر برصاص الغدر والحقد والفوضى، ولم يعد أحد منهم يأمن على أولاده أو على نفسه في ظل هذا الكم من التفلت والاجرام والاستهانة بأرواح البشر من دون حسيب أو رقيب.

لقد بلغ الفلتان الأمني في لبنان مداه، وبات كل مواطن لبناني مشروع قتيل، سواء برصاص طائش، أو باشكال على أفضلية مرور، أو على حاجز أمني، أو نتيجة تصفية حسابات، أو سرقة، أو ضحية تعصيب مجرم، أو شعور حاقد بفائض قوة.

لقد سقط كثير من القتلى سابقا في حالات مشابهة، من دون أن تحرك الدولة ساكنا أو تكلف نفسها عناء وضع حد لهذا “الموت المجاني” الذي يُفجع العائلات، ويحرق قلوب الأمهات، ويرمّل الزوجات، ويحضّ على الثأر والانتقام، وعلى أن يأخذ كل شخص حقه بيده، طالما أن الدولة عاجزة عن إنزال العقاب الرادع بالمجرمين الذين يكملون مسيرتهم الاجرامية في السجون بانتظار أن يأتيهم عفو من هنا، أو واسطة سياسية من هناك، أو إجتهاد قانوني من هنالك، ليخرجوا الى الحرية مجددا، فيما العائلات التي أصابوا منها مقتلا، تكتوي بنار فقدان أبنائها الذين تحولوا في طرفة عين، من شباب يضجون بالحياة الى مجرد صور معلقة على الجدران.

أوقفوا الموت المجاني..