في الوقت الذي تتعنت فيه الدولة من دون وجه حق بمنع الأم اللبنانية من حقها بمنح الجنسية لأبنائها، شكل مرسوم التجنيس لما يقارب 400 أجنبياً خضة في الأوساط الشعبية والسياسية على حدٍ سواء.

ولا زال الحديث عن هذا المرسوم ينافس الملف الحكومي جدلاً. وبينما يستمر بازار الأسماء المجنسة بالكشف عن مكنونات أصحابه بالتمدد إعلامياً وسياسياً يقف القانون على حافة هذه النقاشات محاولاً فرض نفسه من وقت لآخر ويطرح عدة أسئلة عساها أن ترسم مشهداً صحياً لمرسوم فردي تحوّل إلى قضية رأي عام.

وبعدما قرر رئيس الجمهورية ميشال عون وقف العمل بالمرسوم ريثما يصار إلى تدقيق جديد في كل الاسماء الواردة من قبل المديرية العام للأمن العام، بدا السؤال عن ماهية الشروط المتوجب توافرها لدى الاشخاص الذين يحق لهم التجنيس مشروعاً.

مسلكان قانونيان لمنح الجنسية، هما، كما يؤكد رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، بحسب قانون الجنسية للعام 1925، هناك شروط صعبة جدا لمنح الجنسية إن لم تكن مستحيلة. أولها شرط عام هو رابطة الدم، إذ لا تُكتسب الجنسية إلا لمن ولد من أب لبناني. وشرط خاص كحق أجنبية تزوجت من لبناني بالمطالبة بالجنسية بعد سنة من زواجها.
أما المسلك الثاني لمنح الجنسية هو المرسوم الذي يصدر عن رئيس الجمهورية ويوقع من قبله مع رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والبلديات. وفي هذه الحالة ليست هناك شروط مقيِّدة للرئيس، وله حق التقدير لمن يمنح له الجنسية.

وعادةً ما كان يُنصف في هذه المراسيم أشخاص ولدوا وترعرعوا في لبنان وأقاموا روابط عائلية مع اللبنانيين، وتزوجوا من لبنانيات وهم أصلا ولدوا من أم وجدة لبنانية، ويتكلمون اللهجة اللبنانية وعانوا في هذا البلد وعاشوا أفراحه وأتراحه، وأحيانا أخرى كانت تُمنح لأشخاص لا يستحقونها.

أما ما يحصل اليوم حول مرسوم التجنيس الجديد فهو انتقاد للمرسوم بالمعنى السياسي لا القانوني، لأن الرئيس لم يتجاوز الأصول القانونية، وهذا المرسوم لا عيب قانوني فيه بل قد يكون سياسي يتعلق بحق التقدير المُعطى للرئيس، وفقاً لمرقص. 

كيف يمكن إبطال مرسوم التجنيس؟
طالما أن هذا القانون لم ينشِئ حقوقا مكتسبة ولم تستصدر بموجبه جوازات سفر وإخراج قيد، ولم يُنفَذ في الأحوال الشخصية يمكن للرئيس ومن وقّع معه الرجوع عن المرسوم بموجب مرسوم آخر بحسب قاعدة توازي الأشكال القانونية، كما يلفت مرقص في حديثه لـ"ليبانون ديبايت".

ولكن إذا نفذ المرسوم وأصبح هناك مساحة زمنية نشأت فيها حقوق مكتسبة للمتجنسين فلا يمكن الرجوع عنه إلا جزئيا، أي بالنسبة لمن قدم أوراقا ومستندات في طلب التجنيس مزورة أو تضمن الغش. على سبيل المثال، كأن يكون المُجنَّس محكوماً عليه في بلاده أو حتى في لبنان، بينما صرح هو أنه حسن السيرة. وهذا سبب للإبطال الجزئي للمرسوم من دون المساس بالحقوق المكتسبة، لأن هذا الشخص الذي قدم معلومات تتضمن غشاً أو تزويراً لا يحق له التذرع بنظرية الحقوق المكتسبة.

كما أن هناك مسلك قضائي آخر لإبطال القانون، إذ يمكن لأي صاحب صفة أو مصلحة خصوصا إن كان متضررا شخصياً تقديم مراجعة طعن أمام مجلس شورى الدولة، وهي الحجة الأقوى والأكثر حظوظا لإبطال القانون، لأنها تُعطى من متضرر شخصي رُفض طلب تجنيسه على الرغم من أنه محق، كأن يكون مولودا من أم لبنانية وولد ويعيش في لبنان. وهنا يتم إبطال المرسوم لأنه بهذه الحالة يُعتبر ضرباً لمبدأ المساواة أمام القانون وهو أقوى من مبدأ ضرب المصلحة الوطنية مثل منع التوطين والتوازن وغيرها، وفقاً لرئيس المنظمة.

وتوضيحاً للجدل القانوني الحاصل حول نشر المرسوم في الجريدة الرسمية من عدمه، يوضح مرقص أن هذا النوع من المراسيم لا يتم نشره في الجريدة الرسمية كونه يُعتبر مرسوماً فردياً. والمراسيم الواجب نشرها هي فقط ذات الصفة العامة غير الشخصية التي تعني جمهور الرعية كالمراسيم التنظيمية والتطبيقية لما لحصول النشر على وجه قانوني من أثر على سريان هذه المراسيم. علماً أن مراسيم منح الجنسية والأوسمة كانت تُنشر قديما زمن الانتداب وفترة الاستقلال لكن اليوم باتت مقتصرة على التبليغ.