لعل إحدى أهم موجبات التسريع بتشكيل الحكومة الرابعة لسعد الحريري، و«الحكومة الأولى» كما يحب ان يسمّيها العهد، هو انّ البلد في حاجة ماسّة الى بناء حكومي متكامل، وكامل المواصفات والصلاحيات وقادر على العمل والمبادرة، خصوصاً في هذه المرحلة، وذلك بالنظر الى الحجم الكبير من الضرورات الداخلية التي تفترض التصدي لها سريعاً، وعلى وجه الخصوص التحدي الاقتصادي، وبالنظر ايضاً الى التحديات الشديدة الخطورة على المستوى الإقليمي، من ايران الى سوريا فلبنان والتي تبعث شراراتها، بين حين وآخر، شياطين الحرب في اسرائيل.
 

ينقل عن احد السفراء الاوروبيين قوله انّ بلاده التي عارضت مع دول اوروبية اخرى، الانسحاب الاميركي من الملف النووي مع ايران، قلقة من تداعيات خطيرة قد تشهدها منطقة الشرق الاوسط في اي لحظة.


بحسب معلومات السفير المذكور، فإنّ اسرائيل التي انتشَت بالانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي مع ايران، هي الدافع الاساسي في هذا الوقت الى وضع المنطقة برمّتها على نار الحرب، من سوريا الى ايران، بتشجيع من بعض حلفائها واصدقائها القدامى والجدد. وبتأييد منقطع النظير لها من قبل إدارة دونالد ترامب. وبالتالي، فإنّ مصير المنطقة كلها عالق بين اثنين: مجرم حرب إسمه بنيامين نتنياهو، وتاجر مجنون متهوّر إسمه دونالد ترامب، والأول يتّكِل على الثاني».


وفي تقدير السفير نفسه، انه من غير المستبعد في ظل هاتين العقليتين ان تكون المنطقة على شفير حرب يُراد لها اسرائيلياً ان تكون مدمرة لكل اعدائها، وتحديداً ايران و»حزب الله».


الّا انّ هذه الصورة المتشائمة والسوداوية التي يرسمها السفير المذكور، والتي تجد لها من يؤيّدها في الداخل والخارج، فإنها تجد لها في المقابل من يعتبرها مبالغاً فيها الى حد كبير. تبعاً لما يلي:


- تَشي صورة المنطقة ظاهرياً بحروب كبرى على وشك الاندلاع، لكن التعمّق فيها يَشي بمأزق كبير تعيشه كل دول الشرق من دون استثناء. وربما هذا المأزق يشكّل الكابح لأيّ اندفاعة حربية. صحيح انّ ايران في مأزق، وسوريا وكل دول محور المقاومة في مأزق، لكن بخلاف ما تبدو الصورة عن بعد، فثمة مأزق مزدوج تعيشه إسرائيل هذه الأيام.


- منذ نشوء اسرائيل اعتمدت الحرب وسيلة وحيدة لضمان بقائها. وكل الحروب التي خاضتها، إرتبطت بمأزق داخلي، وبهروب للمنظومة الحاكمة في اسرائيل من تحديات الداخل، وفي هذا الاطار، تبدو حكومة بنيامين نتنياهو، التي تواجه تحدّيات داخلية خطيرة، لا تملك وسيلة للهروب من تلك التحديات سوى جَر الشرق الأوسط إلى حرب جديدة. شرط ان تكون هذه الحرب رابحة، وإلّا أطاحت بمشعل الحرب وأخرجته من الحياة السياسية في إسرائيل.


- حرب تموز 2006، برغم نتائجها على لبنان، كانت درساً قاسياً لإسرائيل، ذلك انّ التحولات التي تَلت فشل هذه الحرب، تجعل من اي حرب اسرائيلية مغامرة فاشلة، حيث بدأت إسرائيل تواجه معضلة «الردع الاستراتيجي» الذي فرضه «حزب الله» على المعادلة، وكبح جماح أيّة مغامرة تسعى إليها. مع الاشارة الى تَعالي الكثير من الاصوات من داخل اسرائيل، والتي عكست العجز، وحقيقة يرفضها الاسرائيليون بأنّ اسرائيل لم تعد صاحبة قرار السلم والحرب. وهذا التحوّل يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. واكده قادة عسكريون اسرائيليون بتأكيداتهم «الوضع خطير على الجبهة الشمالية، ولكننا غير معنيين بالتصعيد»، هذا الكلام شكل اعترافاً مبطّناً بفشل التفوّق، وإقراراً واضحاً بنجاح سياسة «الردع الاستراتيجي».


- منذ العالم 2011، شكّل الميدان السوري فرصة للخروج من هذا المأزق، وتدخلت فيه على اكثر من صعيد، لكنّ هذا الامر انتهى، او تراجع الى حد بعيد مع التدخل العسكري الروسي في سوريا، نهاية 2015. الّا انّ اسرائيل حاولت التعويض عبر اللجوء مجدداً إلى الحرب الإعلامية والترويج ضد ما سمّته الخطر النووي الايراني، الّا ان هذه الدعاية الإسرائيلية فشلت باعتراف الصحافة الاسرائيلية، خلال المسرحية الكوميدية السوداء التي عرض فيها نتنياهو «الصيد الثمين» عن قدرات ايران النووية، والذي لم يقنع أحداً، لا في الخارج، ولا حتى في الداخل الاسرائيلي.


- حتى ما قبل فترة قصيرة، سَعت إسرائيل الى خطوة لحفظ ماء الوجه، وهو ما قامت به بالتزامن مع الضربة الصاروخية الثلاثية على سوريا، على خلفية الملف الكيميائي، حيث حاولت إسرائيل تنفيذ «انقلاب جوي» على قواعد الاشتباك الجديدة، التي فُرضت عليها، وهو ما تبدّى في سلسلة الهجمات التي شنّتها من الأجواء اللبنانية على مواقع متعددة في سوريا، وهو ما أحبطه محور المقاومة بشكل مفاجئ، حين كسر الجمود المفروض على جبهة الجولان، في إطار ما بات يُعرف بـ«ليلة الصواريخ»، على المواقع العسكرية الاسرائيلية في الجولان.


- فصول المأزق الاسرائيلي لم تنته بعد، الجنوب السوري، الذي لا يزال الميدان الوحيد المُتاح أمام إسرائيل للتصعيد العسكري، بات اليوم تحت المجهر الروسي، في ظل ما يتردد عن محادثات تجري، للعودة إلى تفاهمات هامبورغ بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. وبالتالي، إدراج الجبهة الجنوبية ضمن مناطق خفض التصعيد. بانسحاب «حزب الله» والمسلحين الآخرين وانتشار الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية.


خلاصة هذا الرأي انّ المبادرة الروسية، إذا نجحت، ستسحب من إسرائيل قرار الحرب مجدداً، وستكرّس قواعد اشتباك جديدة، تكون معها إسرائيل المتعطّشة للحرب والعاجزة عنها، أمام خيار من اثنين: إمّا الاذعان للمعادلة الجديدة، وإمّا الذهاب إلى مقامرة عبر شن حرب شاملة، ليس أكيداً انها ستكون قادرة على تحمّل تبعاتها.