الاشكال الكبير الذي سيواجه الطبقة السياسية في لبنان هو ما سيترتب عليه من نتائج للصراع بين الارادة الدولية والارادة الايرانية
 

من أبرز التطورات التي شهدتها المنطقة ،على مستوى الجغرافيا السياسية، هو تضخيم الدور الايراني والذي جاء نتيجة لسلسلة من التطورات، بدءاً من الحرب الاميركية على افغانستان مروراً بالحرب على العراق وإسقاط نظام صدام حسين وصولاً الى سوريا دون ان نغفل تمددها الى اليمن ومحاولتها الزعزعة في البحرين. أما بالنسبة الى لبنان الذي يشكل حجر الرحى في الامتداد الايراني، على الرغم من صغر حجمه الا انه في هذه المرحلة سيشكل الساحة المتقدمة في اطار نتائج الصراع في منطقة الشرق الاوسط، وسيكون الميدان في هذه المرحلة بين الفريق الذي يسعى الى تحجيم الدور الايراني، وهذا فريق دولي تتزعمه الولايات المتحدة الاميركية، والفريق الايراني وحلفاءه الذي يسعى لاستمرار هذا الدور. وفي هذا السياق لبنان امام وجهتي نظر، الاولى تتحدث عن موقف اميركي واضح مؤداه ليس تحميل "حزب الله" مسؤولية ممارساته في المنطقة فحسب بل تحميل الحكومة اللبنانية ككل، بحيث يعتبر "حزب الله" بالنسبة للدور الايراني هو النموذج "الناجح" للتدخل في المنطقة. اما وجهة النظر الثانية والتي تعبر الى حد بعيد عن رأي "حزب الله"، والتي تدعو الحكومة اللبنانية "ان على الدولة اللبنانية حماية مواطنيها" وهذا الكلام صدر عن الامين العام لـ "حزب الله". والمقصود هنا حزمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على عدد من الشخصيات القيادية في الحزب بما فيهم الامين العام شخصياً، بالاضافة الى العديد من الشركات التي تدور في فلك "حزب الله" وهذا يعني أيضاً تحميل الحكومة اللبنانية الدفاع عن شخصيات وكيانات متهمة بالارهاب ومن الطبيعي في الوجهة الثانية أن تعبر عن حالة من التناقض ،فالحزب يتجاوز الدولة من خلال ممارساته والتدخل خارج حدود الوطن، وبالوقت عينه يطالبها بحماية مصالحه وشخصياته الذين وضعتهم الولايات المتحدة وبعض الدول العربية على قائمة الارهاب. 

إقرأ أيضًا: ماذا تعني الهوية الوطنية؟


وفي ظل الظروف التي يمر بها لبنان لا امكانية للحكومة اللبنانية لتحجيم دور "حزب الله" او امكانية الحد من نشاطاته على الرغم من أن مسألة "النأي بالنفس" بالنسبة للحزب لا يعني شيئاً، إلا أن الامور  بدأت تأخذ منحاً آخر خصوصاً لجهة تحميل الحكومة اللبنانية ككل نتيجة ما يقوم به "حزب الله" من اعمال وهو الممثل في الحكومة والمجلس النيابي. 
إن النظرة الدولية في هذه المرحلة للواقع السياسي في لبنان يتجه اكثر فأكثر الى تشديد الرقابة على واقع الدولة اللبنانية ككل وهذا بالتالي سيؤدي الى مواجهة مع المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً، وذلك بالنظر الى تدخل "حزب الله" في الصراعات المشتعلة في المنطقة نيابة عن مرجعيته في إيران، الامر الذي يؤدي بنهاية المطاف إلى حشر الدولة اللبنانية من خلال تغاضيها عن سلوك " حزب الله "غير المقبول دولياً وإقليمياً. وهذا ما سيزيد من عوامل التعرية السياسية التي سوف تتفاعل في المرحلة القادمة، كما انها ستؤثر على الحكومة المرتقبة، لان امكانية الجمع بين "حكومة" و "منظمة ارهابية " بات امراً غير ممكن من وجهة نظر القوى الدولية الضاغطة على المحور الايراني، وهذا امر سيترتب عليه العديد من الارباكات على المستوى الرسمي اللبناني، وبالتالي سيؤدي ذلك الى انتهاء مرحلة الغزل السياسي الذي يواكب عملية تشكيل الحكومة المقبلة. والاشكال الكبير الذي سيواجه الطبقة السياسية في لبنان هو ما سيترتب عليه من نتائج للصراع بين الارادة الدولية والارادة الايرانية، لان موقع الاختبار بين الارادتين ستكون الساحة اللبنانية او إحدى محطاتها الابرز وهي ستشكل الى حد بعيد شكل من اشكال صندوق البريد الذي سيكون بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان محور الممانعة وهكذا يعود لبنان مجدداً حقلاً للتجارب والذي دفع الشعب اللبناني ثمناً باهظاً لذلك، فالى متى سيستمر ذلك هذا ما سوف تكشفه المرحلة القادمة، خصوصاً ان لبنان امام مأزق اصبح واضح المعالم ولن يغطي الكلام المنمق والتلاعب عليه حراجة الموقف، لان المواجهة لم تعد مواجهة محلية بل اصبحت دولية إقليمية.
يبقي موقف "حزب الله" وخياره المتاح وهو على مستويين؛ إما إدارة الظهر وتكريس صفة الإرهاب والمواجهة، وإما الانخراط في مسار واضح نهايته تحجيم دور النفوذ الايراني، ومن ثم التحرر منه. لان جمع الاثنين معاً، والاستمرار بأخذ البلد رهينة تحت تهديد السلاح الداخلي، يغامر بوضع الدولة على قائمة الدول الفاشلة، وقد جاء الوقت ليختار اللبنانيون خيارهم الاستراتيجي.
فبين تكريس مطالب "حزب الله" من الحكومة اللبنانية والاستحقاقات الدولية سيطيل امد معاناة الشعب اللبناني على مختلف الصعد وبالتحديد على المستوى المالي والاقتصادي.