يضع الرئيس المكلّف سعد الحريري معايير عدّة تخصّ حصته الوزارية في حكومته الثالثة. للمرة الأولى يفصل النيابة عن الوزارة، وللمرة الأولى يجد نفسه رئيساً مكلّفاً «منزوع» الغالبية السنية والنيابية بعكس استحقاقي 2005 و2009 ما يصعّب عليه «المناورة» في فرض ما يريد من أسماء، وللمرة الأولى قد يعمد الى توزير خاسرين في الانتخابات!
 

ليس معلوماً بعد ما إذا كان الحريري «سيستلهم» من نتائج الانتخابات النيابية التي أفرزتها صناديق الاقتراع لتوزير شخصيات، وتحديداً في الدوائر التي كشفت ضعفاً تنظيمياً وحزبياً وسياسياً كما في بيروت والبقاع الغربي وطرابلس، وذلك من خارج الخيارات التقليدية أو تلك الممثلة في الحكومة الحالية.


بفعل قاعدة «الفصل» صار وزير الداخلية نهاد المنشوق خارج التركيبة الوزارية المقبلة، وكذلك نائب طرابلس محمد كبارة، أمّا الوزير جمال الجرّاح، الذي فضّل الوزارة على النيابة حين سأله الحريري رأيه، كما قال، فالمعطيات تفيد أنّ توزيره في الحكومة، وتحديداً في وزارة الداخلية، أمر مستبعد وذلك بسبب كمّ مآخِذ «بيت الوسط» على وزير الاتصالات والتي أخذت مداها بعد عملية تفنيد الأرقام في البقاع الغربي.

 

أمّا «المشاغب» الوزير معين المرعبي الذي لم يكن متحمّساً للترشح الى النيابة ولاقاه الحريري عند منتصف الطريق، فلم يُحسم أمر تسميته وزيراً. نائب عكار ليس على علاقة جيدة مع كثير من قيادات تيار «المستقبل» ونوابه، وسبق له في إحدى جلسات مجلس النواب أن خرج غاضباً مهدّداً بالاستقالة من الحكومة بسبب عدم رصد اعتمادات إضافية لمشاريع استملاك في عكار.


القريبون من الحريري يشيرون الى أنه، كما غامر في تَبنّي بعض الأسماء المغمورة في الانتخابات، سيطرح أسماء «نيو» ضمن تشكيلته تنسجم أصلاً مع مسار «النَفضة» التي يجريها ضمن تياره.


ستة مقاعد سنّية لا يملك الحريري تَرف وضع يده عليها كما في الدورتين الانتخابيتين الماضيتين. المؤكّد حتى الآن أنّ فريق 8 آذار سيحظى بوزير واحد هو فيصل كرامي. والترجيحات تُراوح بين وزير سنّي آخر لرئيس الجمهورية، مقابل تجيير وزير مسيحي للحريري، أو توزير ميقاتي وهو أمر مستبعد... وفق مصادر بعبدا يحرص الرئيس ميشال عون على التنوّع الطائفي ضمن الحصة المحسوبة عليه، والحقيبة السنّية على رأس اللائحة!


وحين يحضر منطق التبادل يُطرح إسم النائب الخاسر في الانتخابات غطاس خوري، مع العلم أنه نال ضعف الأصوات التفضيلية التي حصدها المرشّح الأخير الفائز على لائحة «التيار الوطني الحر» فريد البستاني. توزير خوري سيعني قطع حبل أفكار من رسم سيناريو الضغط السعودي لـ»التخلّص» من الفريق الذي وقف الى جانب رئيس الحكومة في وجه الرياض بعد محنة الاستقالة، وسيكون بالتالي الوزير المسيحي الوحيد من حصة «المستقبل» ورئيس الحكومة، مع العلم أنّ اسمه لم يُحسَم بعد.


مبدئياً، سيتمثّل الحريري في الحكومة بأربعة وزراء سنّة (من ضمنهم رئيس الحكومة) وليس خمسة كما في حكومة العهد الأولى، ما سيعني أنّ الكباش الحقيقي سيكون بين حصة عون من السُنّة وميقاتي الذي فتح باب النقاش واسعاً في إمكانية توزير مسيحي محسوب عليه. ويتّجه الحريري لتسمية إمرأة من ضمن التركيبة، في وقت يكتسب التمثيل المناطقي أهمية مضاعفة لديه، والجنوب نموذجاً.


فمقابل خسارة مقعد الرئيس فؤاد السنيورة في صيدا، وانكماش بقعة النفوذ السني عند بوابة الجنوب، يسعى الحريري للمرة الأولى، وفق المعلومات، الى تكريس وجود تيار «المستقبل» في العمق الجنوبي عبر ترشيح شخصية محسوبة عليه.


أثناء الجولات الانتخابية للحريري التي سبقت فتح صناديق الاقتراع، لم تكن محطة «المرشح» الحريري منتصف نيسان المنصرم في شبعا وقرى العرقوب أمراً عادياً. كانت المرة الاولى التي يتوجّه فيها رئيس حكومة الى المنطقة الحدودية، وكانت بالطبع الزيارة الأولى لسعد الحريري. بقعة إنتخابية بقيت في صلب اهتمام «الشيخ سعد» منذ دخوله المعترك السياسي، لكن من دون تماس مباشر مع ناخبيها. الى جديدة مرجعيون انتقل في طوافة عسكرية، ثم توجّه موكبه الى منطقة حاصبيا ثم خلوات البياضة وشبعا وكفرشوبا وكفرحمام وراشيا الفخار والهبّارية.


لم يكن تفصيلاً هامشياً قرار رئيس تيار «المستقبل» خوض معركة إنتخابية، بالتحالف مع «التيار الوطني الحر»، في عمق الشريط الحدودي عبر مرشّحه عن المقعد السني عماد الخطيب. وَصف الترشيح بـ»الموقف السياسي»، مذكّراً بـ»بوالدي الشهيد الذي كان يُخبِرنا عندما كنّا صغاراً عن القرى الجنوبية الأمامية»، ومؤكّداً أنّ هذ الترشيح «لا يمثّل تحدّياً لأحد». حرص الحريري في الجولة نفسها على عدم تبنّي أي خطاب استفزازي حيال «حزب الله»، مركّزاً على دور الدولة في استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.


إنتهت الانتخابات وكانت النتيجة مفاجِئة حتى لـ»حزب الله». سُمِع أحد قياديي الحزب البارزين يقول في مجلس خاص إنّ «الرقم السني» معبّر وله دلالاته.
مقابل الرقم الكبير الذي حصدته لائحة «الأمل والوفاء» المحسوبة على حركة «أمل» و»حزب الله» والبالغ 193000 صوت (دائرة بنت جبيل-النبطية-حاصبيا-مرجعيون)، نالت لائحة «الجنوب يستحق» التي دعمها «المستقبل» و»التيار الوطني الحر» 17058 صوتاً. نال المرشح السني قاسم هاشم على لائحة الثنائي الشيعي 6012 صوتاً تفضيلياً والمرشح عماد الخطيب المحسوب على الحريري 8543 صوتاً. حصد الخطيب في شبعا 4135 صوتاً تفضيلياً وفي كفرشوبا 1362 صوتاً، مقابل 1406 أصوات لقاسم هاشم في شبعا و385 في كفرشوبا.


في موازاة انتكاسات شهدها الحريري في بعض الدوائر، مَنحه قضاء مرجعيون-حاصبيا دفعاً إنتخابياً وصل الى حدّ إشارة قريبين منه الى أنه قد يتجه الى «استثمار» هذه النتيجة بالإقدام على توزير شخصية محسوبة عليه في العمق الجنوبي الحدودي يتردّد أنها قد تكون الخطيب نفسه، ما يعزّز فرضية أنّ الحريري سيتجاوز بسلاسة «عقدة» توزير خاسرين في الانتخابات أولاً لأنه ليس الطرف السياسي الأول الذي يقدم على خطوة مماثلة، وثانياً لأنّ «أرقام» الخطيب سنياً تزكّي هذا الخيار الوزاري.