مع صدور كل مرسوم لمنح الجنسية اللبنانية تثار ضجّة إعلامية وسياسية مهما كان حجم أو عدد الذين يشملهم هذا المرسوم، فبعد المرسوم الشهير الذي صدر عام 1994 في عهد الرئيس الياس الهراوي وحكومة الرئيس رفيق الحريري والذي ضم آلاف الأسماء صدر أكثر من مرسوم، لكن ضمن حدود لم تتعدّ المئات. فمع نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان صدر مرسوم بحوالى 700 اسم وأثيرت عندها ضجة تم تطويقها ولم يتم الطعن لأن المرسوم لم ينشر في الجريدة الرسمية. وعلى خطى ذلك المرسوم، أثيرت خلال الأيام الأخيرة ضجة إعلامية وسياسية حول مرسوم وقعه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. وأعد مرسوم التجنيس خلال الانتخابات النيابية ويضم 369 مواطناً من جنسيات عربية وأوروبية وأميركية لاتينية.

وأكدت مصادر رسمية لـ «الحياة» أن «المراسيم الرسمية التي تتناول أسماء أشخاص لا تنشر في الجريدة الرسمية». وكشفت أن «عدد المسيحيين في المرسوم الحالي هو 264 مواطناً وعدد المسلمين هو 105 وأن القانون في طريقه إلى مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية للتنفيذ». ولفتت إلى أن «المعايير اتّخذت وفق حالات إنسانية واجتماعية (كمنح الجنسية لأرملة وأولادها) وصحية (أشخاص مصابون بأمراض تتطلّب المعالجة)». ويشمل هذا القانون رجال أعمال مستثمرون في البلد.

وقال مصدر وزاري بارز لـ «الحياة»: «نفضّل عدم الدخول في سجال حول المرسوم وتوظيفه سياسياً لن يؤدي إلى مكان، فلماذا هذه الضجة المفتعلة؟ فلا مصالح خاصة وراءه ولا مقابل أي شيء». وشدد على أنه «مرسوم عادي صدر وفق الأصول كما حصل مع نهاية عهد الرئيس سليمان حيث لم تثر مثل هذه الضجة». ولفت إلى أن الذين سيشملهم التجنيس مستثمرون، رجال أعمال، وأناس عاديون لأسباب اجتماعية وصحية». وعدّد المصدر جنسياتهم وفق الآتي: «ألمانيون، تشيكيون، أميركيون، سعوديون، خليجيون، مصريون، يمنيون، تونسيون، فلسطينيون، سوريون، وعرب لديهم جنسيات أجنبية من رجال الأعمال والمستثمرين». وسيعمل القانون على تسوية أوضاع من لم يشملهم المرسوم الصادر عام 1994 الذي تضمّن شوائب. وساق المصدر الوزاري مثالاً على ذلك وفيه أن عائلة تونسية مقيمة في لبنان منذ زمن حصلت على الجنسية عام 1994 إلا الابن القاصر الذي لم يعطه والده الجنسية وهو لا يحق له التسجيل.

واستغرب عضو «تكتّل الجمهورية القوية» النيابي إدي أبي اللمع في اتّصال مع «الحياة» «كيفية تمرير هذا المرسوم». وأكد أن «الأمور ليست واضحة للقوات بعد، فالحزب لم يعرف حقيقة ما حصل، ولا يعرف المضمون، هناك أسئلة كبيرة خصوصاً إذا كان هؤلاء الأشخاص لا يستحقون الجنسية اللبنانية». ويتحضّر تكتل «الجمهورية القوية» للطعن وبدأ يعد العدة القانونية لذلك. ولفت في بيان إلى أن «كل الأمل كان تجنب العودة إلى مراسيم التجنيس السيئة الذكر، والمؤسف في الموضوع أن حصوله تم في شكل تهريبة، فيما كان يجب مصارحة الناس وإقرار مسألة من هذا النوع في العلن لا في العتمة، كما يفترض بأي مرسوم تجنيس أن يتضمن حالات محددة وخاصة ومبررة في شكل علني وواضح، وليس بطريقة عشوائية على ما حصل». وأسفت «لأن أحداً لا يعرف شيئاً عن هذا المرسوم وتفاصيله، وهذا الغموض بحد ذاته يثير القلق والريبة».

أما النائب السابق مصطفى علوش فقال لـ «الحياة» إن «مرسوم التجنيس هو حق من حقوق الحكم والدولة في أي مكان، وتستنسب الدولة ما يهمها، مع وجوب أن تكون هناك مبررات واضحة لإصدار هذا المرسوم». ورأى أن «لا مشكلة في هذا المرسوم وليس بالعمل الغريب فالدول الكبرى ودول مهمة في العالم تعمل بهذه الطريقة». وسأل: «ما الغريب إذا كان هؤلاء الأشخاص لديهم أموال ويستطيعون أن يقوموا باستثمارات ويشغلوا أعداداً من الناس في لبنان». وعما إذا كانت دعوة إلى التوطين، رفض هذا الكلام واصفاً إياه «بغير مقبول ومبالغة». وساق مثالاً على ذلك وفيه أن «في كندا يمكن وضع استثمار بـ400 ألف دولار ويمكنك الحصول على جنسية، وكذلك في البرتغال، اليونان وإسبانيا، لتحسين وضعها الاقتصادي». وفي السياق، أعلن «اللقاء الديموقراطي» أنه «بصدد الإعداد لطعن سيقدمه أمام المجلس الدستوري في مرسوم التجنيس الذي تحوم حوله الكثير من علامات الاستفهام في التوقيت والمضمون والدلالات والأهداف». وسأل في بيان عن «المعايير التي اعتمدت لمنح الجنسية اللبنانية للأشخاص الواردة أسماؤهم في المرسوم والأسس التي تم الإرتكاز إليها في اتخاذ القرارات». وسأل عن «أسباب تهريب هذا المرسوم لو كان فعلاً منح الجنسية يتم لمستحقيها».

ودعا «الجهات الرسمية المختصة إلى توضيح جميع ظروف إصدار هذا المرسوم أمام الرأي العام اللبناني الذي يطرح الكثير من التساؤلات المشروعة حياله ويتساءل: ماذا عن آلاف اللبنانيين المستحقين من الفقراء الذين تم تجاهلهم لمصلحة بعض الميسورين غير المستحقين؟ وهل الجنسية اللبنانية معروضة للبيع مقابل مبالغ مالية؟». وتطلّع «اللقاء الديموقراطي» «لأن يكون النقاش حول ملف الجنسية منطلقاً من مبادئ واضحة ومحددة ومعايير ثابتة ما يبعده عن الحسابات السياسية والمصالح الخاصة ويخضعه لأسس علمية متعارف عليها».

واعتبر الوزير السابق آلان حكيم بعد لقائه الرئيس تمام سلام أن موضوع مرسوم التجنيس حساس جداً وأتى ناقصاً. وأوضح أنه «تباحث مع الرئيس سلام في الأمور الآنية خصوصاً ما يحصل اليوم من موضوع تشكيل الحكومة الجديدة، وبعض الأمور التي تتعلق بالساحتين السياسية والاقتصادية».