قال إنه يرفض مقولتي العودة القسرية والعودة الطوعية
 

يعود البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى لبنان اليوم بعد زيارة رسمية إلى فرنسا التقى خلالها رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلسي النواب والشيوخ، واستفاد منها ليقرع ناقوس الخطر، محذراً من التلكؤ في دعوة النازحين السوريين للعودة إلى بلدهم.

وكان هذا الموضوع أحد الموضوعات الرئيسية التي تناولها الراعي مع المسؤولين الفرنسيين على خلفية التخوف اللبناني من وجود «رغبة» دولية تدفع باتجاه بقاء هؤلاء النازحين حيث هم. وقال الراعي لـ«الشرق الأوسط»، إنه عندما تصر المؤتمرات الدولية الخاصة بالنازحين واللاجئين السوريين على دمجهم في المجتمعات التي يتواجدون فيها وتسهيل دخولهم إلى سوق العمل، فهذا ينمّ عن وجود ميل لإبقائهم حيث هم؛ الأمر الذي يعتبره تهديداً للتوازنات اللبنانية.

وفي لقاء صحافي، بعد ظهر أمس، اعتبر البطريرك الراعي أن لبنان أخذ ينوء تحت عبء الوجود السوري الكثيف «1.5 مليون شخص»، محذراً من أن بقاءهم في لبنان سيدفع إلى تغيير البنية الديموغرافية، وهو يدفع الشباب اللبناني إلى الهجرة، كما أنه سيمس الهوية اللبنانية. وبالأرقام، أكد البطريرك أن ثلث الشعب اللبناني يعيش اليوم تحت خط الفقر. كذلك، فإن 60 في المائة من النازحين السوريين، بحسب الوكالات الدولية المتخصصة، يعانون من الوضع عينه. ولذا؛ فإن البطريرك يدعو إلى إيجاد حلول لمشكلة النازحين «من أجل إنقاذ لبنان»، وحتى «لا يجد اللبنانيون أنفسهم غرباء في وطنهم» والمحافظة عليه وعلى «الرسالة» التي يمثلها في العالمين العربي والإسلامي.

يرفض البطريرك الماروني مقولتين: الأولى التي تدعو إلى عودة «قسرية» لهؤلاء النازحين واللاجئين، والأخرى التي تتمسك بعودتهم «الطوعية». وما طالب به البطريرك المسؤولين الفرنسيين هو «تشجيع السوريين» على العودة إلى المناطق التي أصبحت آمنة في سوريا، وليس ربط العودة بالتوصل إلى حل سياسي وإعادة الإعمار، وخلاف ذلك من الشروط التي يضعها أصحاب المقولة الثانية. ولهذا الغرض، يسرد البطريرك عدة «حجج»، أولها أن العودة «حق» للسوريين كمواطنين، وهو يدعوهم للتمسك بوطنهم وبوجودهم المتجذر فيه. لذا؛ يطرح البطريرك الصوت لمطالبة المجتمع الدولي حتى يساعدهم على العودة عن طريق مدهم بالعون وإعادة بناء منازلهم. وفي أي حال، فإنه يقيم خطاً فاصلاً بين المقاربة الإنسانية التي يتحدث انطلاقاً منها وبين التناول السياسي للحرب في سوريا التي لا يتدخل في تفاصيلها. بيد أنه من الواضح أنه في موضوع النازحين لا يرى البطريرك سبباً لعدم تناول الموضوع مع «السلطات السورية القائمة»، علماً بأن هذه المسألة موضوع جدل في لبنان بين من يرفض الحوار مع النظام السوري وبين من يعتبر أن لا مفر من ذلك من أجل لإيجاد حلول لها.

في هذه السياق، للبطريرك نظرة مزدوجة لـ«المرسوم رقم 10» الذي أصدرته السلطات السورية؛ إذ إنه يرى فيه سبباً سيدفع أصحاب الملكية للإعلان عن ملكيتهم وأرضهم، وبالتالي قد يكون سبباً للعودة. لكنه يرى في قصر المدة المتاحة أمامهم «30 يوماً» عائقاً دون ذلك؛ ما يدفعه لاعتبار أن الجوانب السلبية في المرسوم «تتغلب على الجوانب الإيجابية». ورداً على ما يشاع عن تحضير السلطات اللبنانية مرسوم تجنيس جديداً، رأى البطريرك، أن، الموضوع «ليس جدياً» وأن «لا مصلحة لأحد في طرحه»، منبهاً من أن الجنسية اللبنانية «ليست للبيع»، لكن إذا طالت إقامة السوريين في لبنان فإن خطر التجنيس قد يصبح واقعاً.

أما في الشأن الحكومي، فإن البطريرك ينظر بكثير من الأسى لسياسة «التناتش» من أجل الاستحواذ على هذه الوزارة أو تلك، أو الحصول على هذا العدد من الحقائب أو ذاك. وقد استعاد البطريرك كلمة «تناتش» المستخدمة في المحكية اللبنانية التي جاءت في سؤال لأحد الصحافيين، وهي تدل على التخاصم والتقاتل من أجل الاستحواذ على شيء ما. وحث الراعي على تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة التي رهن المجتمع الدولي توفير المساعدات للبنان بحصولها.

وفي السياق، أقام نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عصام فارس في دارته في باريس، عشاء تكريمياً للبطريرك. وبعد الخلوة بينهما، قال البطريرك الراعي، أتاح لنا هذا اللقاء التداول مع دولة الرئيس في مجمل القضايا المطروحة، ونحن نتطلع إلى مرحلة جديدة نتمكن من خلالها من مواجهة التحديات الراهنة وإيجاد حلول لها. وهذا يقتضي مشاركة جميع القادة القادرين المخلصين وتوحيد جهودهم، وفي طليعتهم الرئيس عصام فارس الذي نرى مشاركته في إدارة الشأن الوطني، إسهاماً في تحقيق اللبنانيين من خلال حل المشكلات التي يواجهونها.