مخزي هذا الدرك الذي وصلت إليه العمامة الشيعية، حتى باتت تأتمر بالقرار الحزبي وتقدمه على الأوامر الإلهية
 

ينبلج من تحت السحابة السوداء التي تخيم فوق منطقة بعلبك الهرمل بصيص نور، وخبر مفرح يكاد يكون يتيمًا وإستثنائيًا وفريدًا بكل أسف.


فمن بين الاخبار شبه اليومية التي نقرأها عن التفلت الأمني في تلك المنطقة، وعن الاحداث المؤسفة التي نسمع عنها والتي يذهب ضحيتها لبنانيون ولأسباب أقل ما يقال عنها انها لا تمت الى عصرنا الحديث بصلة، ولا علاقة لها بالحد الادنى من الوعي الإجتماعي المعاصر، جاءنا خبر الاعتذار الذي قدمه بعض الفتية الذين اطلقوا النار على سيارة ومنزل الشيخ عباس الجوهري بعد أن استقبلهم في منزله مكرّمين معززين ومعهم سلاح الجريمة (بحسب أصول الإعتذار) بمبادرة مشكورة من سماحة المفتي بكر الرفاعي.


فبعد تقديم الشكر الجزيل لمساعي المفتي المباركة لا بد من تسجيل نقطتين اثنتين على الحدث بحسب ما شاهدناه وسمعنا تفاصيله من وسائل الإعلام.

إقرأ أيضًا: السيد حسن ينضم إلى شيعة السفارة


النقطة الأولى التي استوقفتني هي غياب تام لأي عمامة شيعية بين مشهد الحشود الكبير للمصلحين والوجهاء وكبار القوم في منزل الشيخ عباس الجوهري، لا عمائم حزبية تنتمي للجهة التي ينتمي اليها مطلقو الرصاص، ولا حتى عمائم خارج الإنتماء الحزبي بالرغم من دعوة البعض منهم ليكونوا محضر خير في لقاء محبة.


والملاحظة ها هنا، ليست بالطبع للتقليل من حضور ودور المفتي الرفاعي حفظه الله، ولا هي من باب الإستغراب كون الإصلاح بين طرفين شيعيين تمت على يد عمامة سنية، وانما من حيثية إلقاء الضوء على دور العمائم الشيعية بالمنطقة وما أصاب أصحابها وحامليها من وهن وفقدان للدور الطليعي حتى باتت لا تتجرأ على الإقدام على أي دور هو بالاساس منوط بها وبوظيفتها الدينية البديهية كإصلاح ذات البين، فنراها تتراجع وتختبئ، فقط بسبب اعتقادها أن خطوة إصلاحية من هذا النوع تحتاج الى إذن مسبق من أولياء الامر وبدونه قد يتوهمون ان نقطة سوداء ستوضع على سجلهم يجعلهم موضع تساؤل عند الجهات الحزبية وبالتالي موضع تشكيك قد يؤثر ذلك على مصالحهم.


مخزي هذا الدرك الذي وصلت اليه العمامة الشيعية، حتى باتت تأتمر بالقرار الحزبي وتقدمه على الاوامر الالهية، واعتقد جازما بأن هذه الحال هي واحدة من الأسباب التي أوصلت المجتمع البقاعي الى ما هو عليه الآن من تردي وتخلف، فعندما تنحصر دور العمامة الشيعية فقط بالتحريض وبث التفرقة واشعال المنابر بإثارة الناس على بعضها البعض بسبب اختلافاتها السياسية خدمة لتحزب من هنا أو من هناك، وتغيب عن مشهدية الإصلاح فقط لأن أحد طرفيها (الشيخ الجوهري) هو معارض سياسي لقوى الأمر الواقع، فلا عجب بعد ذلك بأن تسود في البقاع روح التفلت والثأر والانتقام وتغيب ثقافة المحبة وقبول الآخر والمسامحة وهذا طبعا برسم القيّمين وأولي الأمر في البيئة الشيعية، وفي مقدمهم الحوزة الدينية التي صارت تخرج لنا عمائم حزبية لا عمائم دينية.

 

إقرأ أيضًا: سعد الحريري: يُكلّف ولا يُؤلّف


النقطة الثانية التي استوقفتني، هي ما جاء على لسان الشيخ عباس الجوهري من موقف له مداليل كبرى حين أعلن بوضوح عن تبرعه بالسلاح الذي تسلمه من المعتدين كإعتذار منهم، حيث قدمه بدوره هدية للمقاومة في جنوب لبنان بوجه العدو الصهيوني، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أساس الخلاف بين "حزب الله" من جهة وبين الشيخ الجوهري، وهو خلاف يختصر باستدارة سلاح المقاومة عن وجهته الحقيقية، لا كما يحاول المغرضون تصوير الأمر بأن الشيخ الجوهري زاح عن خط المقاومة الحقيقي، بل على العكس من ذلك تماما، فان معارضة الشيخ الجوهري انما هي من اجل حماية المقاومة والحفاظ على رفعتها وانقاذها من الانحراف الذي أصاب بوصلتها وأزاحها عن جادة الصواب حتى صارت في غير مكانها المخصص لها وليس العكس.


ختامًا لا بد من التنويه بخطوة الأخوة مطلقي النار، لأنه وكما هو معروف فلا يعتذر الا الكبير، مع تسجيل شكرنا لسماحة الشيخ الجوهري الذي طوى هذه الحادثة المؤسفة بروحه السمحة وعقله المنفتح، مما أعطانا بصيص أمل في عتمة ما تمر به منطقة البقاع خصوصًا ووطننا لبنان بشكل عام، وألف ألف شكر لسماحة المفتي بكر الرفاعي الذي لا يسعنا إلا أن نحييه ونشد على يديه لأن البقاع والوطن بأمسّ الحاجة إلى أمثاله من رجال الدين.