المشكلة ليست في سياق الصراع المناطقي بعلبكي وجنوبي ولن تحل المشكلة بهذا الخطاب بين أبناء الطائفة الواحدة أو الحزب الواحد
 

ما زالت تداعيات الإنتخابات النيابية ما سبقها وما تلاها  تلقي بثقلها على أكثر من صعيد في مختلف المناطق اللبنانية لا سيما في منطقة البقاع حيث كانت المشاهد الإنتخابية أكثر حدة بالنظر إلى ما تعانيه المنطقة من أزمات على صعيد الإنماء والأمن والبطالة من جهة وعلى صعيد الخيارات الإنتخابية وما رافقها من ترشيحات من جهة ثانية.
شكلت المرحلة التي سبقت الإنتخابات فرصة للبقاعيين للتعبير عن رغبة كبيرة بالتغيير نحو الأفضل وإرادة كبيرة بالمحاسبة، وبرزت في هذا السياق مطالب كثيرة ومحقة تتناول بشكل أساسي الإجحاف المقصود والتهميش المستمر واللامبالاة بحق المنطقة من قبل الدولة ومن قبل الأحزاب التي تعتبر المنطقة رافدًا شعبيًا لها ومن قبل نواب المنطقة الذين مارسوا عن قصد أو عن غير قصد أبشع أنواع التهميش والتقصير واللامبالاة بحق المنطقة بالرغم من وجودهم في المجلس النيابي دورات عدة استمرت حوالي عشرين عامًا.

إقرأ أيضًا: صوت واحد في بعلبك: من يحاسب رئيس البلدية؟


لا شك ولا ريب أن منطقة البقاع عانت وما زالت كل أشكال الحرمان والتهميش واللامبالاة وقد وصلت الأمور المعيشية وكذلك التدهور الأمني الحاصل حدا لا يطاق حتى بات كل بقاعي ضحية هذا الإهمال والحرمان، كما أضحى مهددا بأمنه واستقراره من خلال التجاوزات الأمنية التي تحصل كل يوم على أعين الدولة وأجهزتها الأمنية، وبإهمال وصمت مطبق من الأحزاب التي تملك زمام الأمور في المنطقة، فيما تنعم المناطق الأخرى ولو بالحد الأدنى من الإستقرار المعيشي والأمني والإجتماعي قياسًا على ما تعانيه منطقة البقاع من انهيار مستمر لكل مقومات الإستقرار الأمني والمعيشي.
من حق كل بقاعي أن يصرخ بالفم الملآن، أن يدين ويستنكر هذا الإجحاف بحق المنطقة، إلا أن اعتبار الأزمة الحالية أزمة تمييز مناطقي والتعامل معها بهذا الإتجاه هو أمر يضع المشكلة في مكان آخر لأن مشكلة البقاعيين ليست في الجنوب، ولأن المشكلة ليست في سياق الصراع المناطقي "بعلبكي وجنوبي" ولن تحل المشكلة بهذا الخطاب بين أبناء الطائفة الواحدة أو الحزب الواحد.
لا أحد ينكر أن ما يحصل يشكل تهديدًا مستمرًا لحياة كل بقاعي وأن الحل المطلوب بات ضرورة قصوى، وأن على الدولة أن تقوم بمسؤولياتها وأن المطلوب من الأحزاب أن تتحرك بسرعة وأن تكون على مستوى المشكلة من خلال المبادرة فورا إلى إنقاذ المنطقة والتعامل مع هذه المشكلة بإهتمام وجدية قبل فوات الأوان، لأن ما يجري اليوم في البقاع يستدعي الإستنفار على مستويات عالية، خصوصا عندما يجري التداول بالأزمة بلغة غير مسبوقة من الطبقية والتمييز بين اللبنانيين أعني بذلك ما يجري التداول به اليوم في البقاع على الصعيد الشعبي وما يروج له على مواقع التواصل الإجتماعي بـ (بعلبكي وجنوبي) حيث يجري الربط بين ما يقدم لمنطقة الجنوب من خدمات وتسهيلات وبين ما يتم حرمان منطقة البقاع منه.

إقرأ أيضًا: الهيبة في بعلبك مشاهد حيّة بغياب السلطة والقانون!


عندما تتحول الأزمة التي تضرب منطقة البقاع إلى هذا المستوى من التعامل فإنها تنذر بما لا يحمد عقباه وتضع الجميع أمام مسؤولية استثنائية وخصوصًا "حزب الله" وحركة أمل حيث يجري التداول بهذا الثنائي بمصطلح جديد "الثنائي الجنوبي" ويعني ذلك فيما يعنيه أننا أمام أزمة حقيقية ليست في صالح "حزب الله " ولا حركة أمل وبالتالي فإن على هذا الثنائي أن يبادر فورًا إلى معالجة المشكلة قبل أن تتطور أكثر والعمل على لجم هذه اللغة سريعًا وإيلاء البقاع الإهتمام اللازم.
مشكلة البقاع سابقًا ومنذ عقود وحاليًا لم تكن في يوم من الأيام في سياق التمييز المناطقي أو الطائفي وقد كان الإمام موسى الصدر أحد أبرز المطالبين بحقوق البقاع، وأهله وقد كان الشهيد السيد عباس الموسوى وهو على رأس الحزب أول من طالب برفع الإهمال والحرمان.
إن اللغة المناطقية ليست اللغة المثلى للمعالجة وهي ليست الصورة المناسبة لتظهير المعاناة المحقة لأبناء البقاع وبالتالي فإن مشكلة البقاعيين ليست في الجنوب كما يتم تصويرها من خلال البعض بل المشكلة هي لدى الدولة أولًا وتاليًا لدى الأحزاب كأحزاب بغض النظر عن المناطقية والفئوية.