تسابقت ردّات الفعل الداخلية والخارجية مواليةً ومعارضة، الى ترجمة «القانون الرقم ١٠» لبنانياً، كما حذّر البعض من تداعياته الخطيرة في المنطقة وعلى لبنان بالأخص، وذلك بعد نَشر «الجمهورية» محضر الاجتماع المغلق الذي عقِد في الأمم المتحدة، والذي وصَفته مصادر دبلوماسية «بالاجتماع المهم» نظراً لتناولِه ملفّاً حسّاساً لم يتنبّه ربّما لأهميته المعنيّون في لبنان، ومرَّ البعض على ذكره بإيجاز مِثله مثل بقيةِ القوانين السوريّة الصارمة.
 

كانت «الجمهورية» قد كشفت أنّ القانون الرقم 10، الذي أقرّه مجلس الشعب السوري في 19 نيسان الفائت، أخَذ حيّزاً كبيراً من الاجتماع الأممي المهم، وحملَ في طيّاته وتوقيته عدة معان وتساؤلات متشعّبة إنطلقت من أروقة الأمم المتحدة وانسحبَت إلى لبنان وما تزال.


محلّياً، سارعت مختلف الجهات الحكومية والوزارية والحزبية إلى تَناوله بإسهاب، تارةً عبر التنديد وطوراً عبر الوعيد، فيما اختار بعض الأحزاب المتشدّدة حملَ الملفِّ على عاتقها. أمّا بعض الوزارات المعنية ففضّلت التذكير بـ«حصرية استملاكها الملفّ»، متجاهلةً فشَلها في تسويقه إعلامياً بنحو ملائم لكي تستوعب الجهات اللبنانية المعنية خطورةَ إقرار قوانين مماثلة فتتحرّك للمواجهة.


واللافت في بيان وزارة شؤون النازحين إغفالها التنديد والتنبيه من الموضوع الأساس، وتفضيلها التصويب على «التقارير الإعلامية التضليلية» عوَض التركيز على الموضوع الأساس وتوجيهِ الشكر لكلّ متابع للملفّ وحيثياته!


واللافت أيضاً تسابُق بعض الجهات الإعلامية الموالية للنظام السوري إلى التشكيك في دقة المعلومات والتحليلات، داعية إلى عدم التسرّع في إصدار الأحكام على مضمون بنود القانون الرقم 10 ونيّاته الفعلية، لا سيّما منها تلك التي تفترض أنّ التوطين وإعادةَ رسم خريطة المنطقة هو الهدف الحقيقي من إقراره.

واستعانت تلك الجهات بـ«مراجع تشريعية سوريّة» لتوضيح بعض نصوص القانون الذي فُسّر لبنانياً ودولياً حسب رأيها «بغيرِ وجهِ حقّ». ممّا استوجب مجدّداً ردّاً للمصادر الديبلوماسية نفسِها التي توقّعت حجم ردّات الفعل اللبنانية، ولا سيّما منها الروحية، الرئاسية، الحكومية، الوزارية، النيابية، الحزبية، وحتى الإعلامية في مقاربة القانون، وطرَحت تلك المصادر تساؤلات مهمّة تُقارب القانونَ في أهميتها، وهي:


١- هل المقاربة التشريعية والقراءة السياسية لتلك الأقطاب مُجتمعة أساءت فهم جوهر القانون ١٠؟ وهل عجزَ مستشاروها القانونيون عن استيعابه فيما استوعبته فقط «المصادر السورية التشريعية» التي لم تُكشف هويتها، والتي تبرّعت حسب البعض من دمشق بتقديم الإيضاحات؟


٢- لماذا تكتّمت تلك الجهات الإعلامية على إعلان هوية تلك «المصادر التشريعية السورية» المُفترض أن تكون موالية للنظام، والتي لم تخشَ يوماً من إعلان هويتها أو موقفها إذا كان موالياً للنظام، فلماذا تتكتّم اليوم؟


هذا في الشكل، أمّا في مضمون القانون، فتوضح المصادر نفسها، ردّاً عن المدافعين عنه والذين سخّفوا مضمونه أو أهمّيته، بالادّعاء أنّ لبنان عظّم شأنَ القانون برُمّته فيما هو ليس سوى جزء من عملية إعادة الإعمار، وقد صَدر لتنظيم المناطق في شكل معاصر!


وتسأل المصادر الديبلوماسية نفسها:


ـ هل تستوجب إعادةُ الإعمار إسقاطَ الملكية؟


ـ هل عملية «الشكل الحديث وتنظيم المناطق» لا تُدرَج ضمن عملية «التحديث الجغرافي» المتّفَق عليه؟


ـ لماذا المخطط التنظيمي، والهدفُ ليس إنشاء بناء جديد! بل هناك بناء مُنشَأ والمطلوب إعادة إعمارِه؟!


في الوقت الذي يُصرّ البعض على المدافعة عن القانون، وأن لا علاقة له بالنقل الديموغرافي واعتباره يتيح توكيلَ أقاربِ المالكين حتى لو كانوا من الدرجة الرابعة!


وتسأل المصادر الديبلوماسية ايضاً:


ـ عندما يستطيع صاحب الملك العودة لماذا يرسِل قريبَه للقيام بالمهمّة، سواء كان القريب من الدرجة الثانية او الرابعة؟ وإذا كان صاحب الأرض مطلوباً فهل سيكون أقرباؤه محميّين؟ والجميع يعلم أداءَ النظام السوري الذي قد يعتقل الجار إذا توكّلَ عن صاحب الملك لو تجرَّأ وطالبَ بتسوية أوضاع جارِه، وسيعتبرونه شريكاً، فكيف إذا توكّلَ أقرباؤه، سواء أكانوا من الدرجة الرابعة أو الـ14!


ـ هل ستتجرّأ على العودة لتسوية أوضاعها وملكيتها غير الجماعات الموالية للنظام؟ وهل سيتجرّأ من كان غيرَ موالٍ على أن تطأ قدماه الأرض السورية؟


ـ بالكاد نجد في سوريا صكوكاً عقارية للشقق في المدن الكبرى. في وقت أنّ أكثر من نصف المساحات في الأراضي السورية غير ممسوحة.


ـ ما هي علاقة إعادة الإعمار بصكوك الملكية؟


ـ هل تكفي المدة الزمنية التي حدّدها القانون بـ 30 يوماً لإتمام إجراءات مستعصية؟


وتتابع المصادر أسئلتها:


ـ هل تناوُل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس حزب «القوات اللبنانية» وغيرهم، للقانون 10 يُدرَج تحت ما يسمّى قراءة تشريعية مغالطة؟


ـ هل بنى وزير الخارجية جبران باسيل بيانه، المُرسَل إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة وإلى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، على مغالطات تشريعية؟

 

وهل بنى الوزير بيانَه على باطل وهو لم يفهم خلفيات القانون ١٠؟ وهل فات المستشارين القانونيين لكافة الأقطاب المحذّرة من تداعيات القانون على لبنان فهمُ بنودِ القانون واستيعابُها قبل تسطير بيانات الاحتجاج والتحذير؟


أمّا بالنسبة الى القانون فتلفتُ الجهات الديبلوماسية عينها إلى أنه صَدر في غياب المعنيين به نتيجةً للحرب الأهلية، لذلك من المفترض أن يتمّ إبطاله من الأساس، ومِن الممكن الطعن في شرعيته الاجتماعية عندما تُتاح القدرة السياسية للمالك الأساسي في تنفيذ أحكام القوانين العادلة التي ترعى حقّه في حماية أملاكه.


وتكشف المصادر أنّ القانون ١٠ يَستهدف فقط النازحين أو المهجّرين، بمعنى أنه موجّه ضد فئة واحدة فقط من المواطنين السوريين لونها وموقفها واضح ممّن أصدر القانون غير البريء. وكشفت أيضاً عن موقعٍ إلكترونيّ أنشَأه محامون سوريون ويمكن الاطّلاع من خلاله على عديد المواطنين السوريين الذين تمّ الاستيلاء على أملاكهم بواسطة هذا القانون.

 

هذا ما يخفيه أيضاً القانون ١٠


لم يكتف باسيل بتوجيه بيانٍ مسهَب الى الأمين العام في الأمم المتحدة غوتيرس مَمهوراً بتوقيع الوزير شخصيّاً، بل اللافت أيضاً أنّ باسيل تفرَّد بالمبادرة بإرسال البيان إلى الجهات المعنية، وتحديداً إلى وزير الخارجية السوري، مُستبقاً مشاورات حكومية مُفترَضة قبل اتّخاذ قرارٍ حكوميّ جماعيّ حيال هذا الملف في إطار «الرد الرسمي للحكومة اللبنانية» مجتمعةً لِما يتضمّن القانون ١٠ في طيّاته من خطر يهدّد الكيانَ اللبناني وما يخفيه ربّما من تسويةٍ ما تخبّئ توطيناً مبَطّناً.


واللافت في مضمون البيان الموجّه إلى غوتيرس إشارة باسيل إلى أنّ السلطات اللبنانية راسَلت السلطات السورية بهذا الخصوص بنحو واضح ومباشرعبر قوله: «... مع العِلم أنّنا راسَلنا من جانبنا السلطات السورية بهذا الخصوص».


والسؤال الكبير المطروح: هل يخبّئ قانون ١٠ باباً لإعادة فتح السجال حول وجوب أو عدمِ وجوب فتح حوار مباشر مع سوريا؟ في وقتٍ كانت قد أصرّت بعض الأطراف على موقفها الرافض للأمر، مطالبةً بتلزيم ملفّ عودة النازحين إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة حصرياً، خوفاً من عودة حكم النظام السوري إلى لبنان من «الشبّاك»، فيما أصَرّت في المقابل الجهات الموالية للنظام السوري على البدء الفوري بالحوار اللبناني-السوري وفتحِ قنوات الاتصال خوفاً لِما يحمل ملفّ النزوح السورى من أدوات مفجّرة للكيان اللبناني، وخوفاً من تسوية داخلية أو إقليمية تكرّس التوطين الذي يستوجب بنظر البعض الإسراع في الحوار حتى مع «الشياطين».


وتختم المصادر الديبلوماسية استغرابَها من صدور التسريبات الإعلامية المتعلّقة بموقف دمشق (الذي لم تعلن عنه رسمياً بعد) المُستعدّ للتنسيق مع لبنان بغية إعادة النازحين، تزامناً مع صدور بيان باسيل الموجَّه إلى وزير الخارجية السوري وليد المعلّم. وتتساءل تلك المصادر: هل صدر مصادفةً أم أنه منسَّق مسبَقاً بين الطرفين؟ وتضيف المصادر متسائلة:


ـ ماذا عن عودة بعض الوجوه القديمة والجديدة الشديدة الولاء للنظام السوري إلى البرلمان؟ وهل سيكون لهذه الوجوه دور مرتقَب في الدفع بهذا الملفّ إلى الأمام؟


ـ ماذا عن تركيبة الحكومة الجديدة؟ وهل ستكون نسبة تمثيلِ الأقطاب الموالية للنظام السوري فيها مرتفعة؟ وهل ستنسحب التشكيلة النيابية الطاغية في ولائها للنظام السوري حكوميّاً؟ وما هو دورها المستقبلي؟ وهل ستكون أبرز مهمّاتها إعادة فتحِ ملفّ «الحوار اللبناني-السوري» الذي يبدو أنه لم يغادر... لكي يعود.