الستاتيكو الجديد لا تخفي الممانعة أنه يجب أن يتوج وصاية سورية - إيرانية في مواجهة الدعم الأمريكي - الأوروبي - العربي للطرف الآخر
 

النقاش الذي سيرافق صياغة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة سيكون مختلفاً عن أي نقاش "وزاري" سابق على الإطلاق، لماذا؟ لأن النتائج التي افرزتها الانتخابات النيابية مؤخراً، اعطت نتائج لصالح "فريق الثامن من آذار"بحيث اصبح لديها القدرة اكثر من أي وقت مضى، على تكريس ما دأبت على تسميتها "المعادلة الذهبية" جيش وشعب ومقاومة.  
الدولة في السابق كانت مضطرة للمساومة كي تحصل على الاعتراف بها، في حين أن فريق "الممانعة"، الذي  أصبح جزءاً من الحكومة ولديه حق "الفيتو" على القرارات التي لا تناسبه، لاعتباره "المقاومة" فوق الدولة، وأن سلاحها فوق الجدل، وفي حال تنازل فإنه يعتبر الدولة في خدمة "المقاومة"، ومن شأنها أن تحافظ عليها، أكثر من ذلك، راح فريق الممانعة يطرح مقولات مفادها أنه هو من يحرص على الدولة ومن يمثلها فعلاً، وبسلم اولوياته محاربة الفساد وحماية الاقتصاد وتكريس الاستقرار، عملياً في السابق لم يكن اتفاق الدوحة سوى إخراج سياسي ملطف لواقع "الغالب والمغلوب"، الذي ارتسم على الأرض بعد هجوم "حزب الله" وحلفائه في الممانعة وسيطرتهم على بيروت العاصمة يوم السابع من أيار/مايو 2008. ففي لبنان يسود شعور عام لدى قوى "التيار الاستقلالي" 14 آذار بأنه خسر المعركة فعلاً، حتى لو لم تكن المواجهة عسكرية بل سياسية، إذ إن القوى التي حملت السلاح وتمتعت بتغطية "سلاح المقاومة" حسمت الأمر لمصلحتها في الشارع، وباتت مستقوية على الدولة والحكومة والجيش الشرعي، فلا أقل من أن تفرض شروطها وبالتالي خطها السياسي.على الرغم من أن قوى 14 اذار ربحت الانتخابات النيابية عام 2009 إلا انها لم تستطيع ان تغير من الامر بشيء.

إقرأ أيضًا: خطاب القسم ضمانة الحكومة الجديدة

لأن "اتفاق الدوحة" يومها لم يبنِ وفاقاً بين الفرقاء اللبنانيين، ولم يتم التوصل إلى مصالحة فيما بينهم، وإنما توصل إلى آلية لحلحلة الأزمة، وهو ما اعتبر إنجازاً بعدما طالت الأزمة الداخلية من دون أن تفلح المساعي والوساطات العربية والدولية في معالجتها. لكن الأزمة نفسها لم تحل، بل يريد طرفها الحكومي أن يحافظ على صيغة الحكم، في حين أن طرفها الممانع يسعى إلى صيغة جديدة تعكس سيطرته المسلحة. أي إن هناك بحثاً عن ستاتيكو جديد، وقد تحقق لهم ذلك بفضل نتائج الانتخابات الأخيرة.
هذا الستاتيكو الجديد لا تخفي الممانعة أنه يجب أن يتوج وصاية سورية - إيرانية في مواجهة الدعم الأمريكي -الأوروبي - العربي للطرف الآخر، ولذلك فإن الخلافات بين الطرفين ستنتقل إلى جلسات مجلس الوزراء بعدما ستأخذ كل وقتها في التجاذب خلال عملية تشكيل الحكومة ثم في صياغة البيان الوزاري على الرغم من كل عمليات التطمين التي يطرحها الفرقاء في سياق تسهيل ولادة الحكومة الجديدة. وإذ يستعد بعدها رئيس الجمهورية للدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني يعوّل عليه الجميع لبلورة "استراتيجية دفاعية".
وفي ضوء الارتباطات الخارجية المكشوفة، لم يعد سراً أن التوصل إلى توافقات خلال مؤتمر الحوار يتوقف على لعبة الضغوط الدولية والإقليمية، فحتى لو أَقرّ المتحاورون صيغاً لفظية يتغلب فيها الخوف على الالتزام؛ فإن هناك مفهومين يتصارعان ويترجمان الصراع الدولي-الإقليمي، الأول يعتبر أن لبنان لا يزال بحاجة إلى "المقاومة" وسلاحها، ويدعو الدولة والحكومة والجيش إلى تقديم كل الدعم للمقاومة، وبالتالي تبنّي مختلف أطروحاتها، طالما أن التهديدات الإسرائيلية لم تتوقف. أما الثاني فيرى أن الأرض المحتلة تحررت منذ العام 2000، وأن الحاجة إلى المقاومة لم تعد أولوية حتى لو بقيت مزارع شبعا تحت الاحتلال، كما أن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان تتطلب استقراراً لاستجلاب المساعدات والاستثمارات، التي لن تأتي في غياب الاستقرار، وفي ظل خطر تجدد الحرب من دون أن تكون الدولة اللبنانية هي الجهة التي تعلن الحرب وتخوضها، يضاف إلى ذلك أن لبنان ملزم بتطبيق قرارات دولية، أهمها القراران 1559 و 1701 (الذي أنهى حرب صيف 2006)، وهما ينصان عملياً على نزع سلاح الميلشيات، أي سلاح "حزب الله".

إقرأ أيضًا: هل فكرة التغيير في لبنان ممكنة؟


يطمح الحوار الوطني إذاً إلى التوفيق بين هذين الاتجاهين شديدي التعارض للخروج بمعادلة ترضي الطرفين، وفي غياب توافق دولي-إقليمي سيكون من الصعب استيلاد هذه المعادلة، والدليل أن المواقف المعلنة للأطراف الخارجية تشير إلى رغبتها في استمرار الصراع أياً تكن نتائجه على الأرض، فليس وارداً لدى سورية وإيران الآن أن تقدما أي تنازل يمكن أن يضعف "حزب الله"، بل إنهما سيدعماه للسيطرة على القرار اللبناني، وستدعمانه ليتمكن من توطيد سلطته، في المقابل أدلت السفيرة الأمريكية، في لبنان بتصريحات تؤكد المواقف الأمريكية التقليدية بدعم الدولة والحكومة والجيش، لكنها لا تستخدم أي دبلوماسية في إظهار رغبتها في تقويض هيمنة "حزب الله"، وليس مؤكداً أن مثل هذه التصريحات تقوي فعلاً موقف الدولة، بمقدار ما تعني أن واشنطن تعتبر الصراع مستمراً على لبنان وفيه، من دون أن تبرهن أنها واعية لحقيقة التوازنات على الأرض.
وفي الوقت الذي تحاول بعض القوى معالجة "هزيمتها" بالسياسة، سيواصل فريق الممانعة التلويح بفائض القوة. ويبدو أن "غزوة بيروت" "المظاهرات السيارة" خير دليل على ذلك، ولا يبدو أن أي اتفاق على صيغة "وطنية" حول الاستراتيجية الدفاعية للتعامل مع "المقاومة" وسلاحها، وتكريس النأي بالنفس يمكن أن يقدم ضمانات لتلك القوى بعدم معاودة الانقلاب من قبل الفريق الاخر على التزاماته.
لذلك وفي هذه المرحلة بالذات سنرى انها مرحلة جديدة تهدف الى تكريس هذا الستاتيكو الجديد بانتظار ما ستؤول اليه التطورات الاقليمية والدولية، فهل ستسمح تلك التطورات الراهنة بتغيير واقع هذا الستاتيكو؟
لكل من هذه العناصر والتطورات حسابه في ميزان الأزمة اللبنانية، من دون أن ننسى التأثير المحتمل لنتائج الضغوط الأمريكية على إيران ومحورها، لكن لبنان نفسه يبدو اليوم مصادراً بعدما فرضت القوى المرتبطة عملياً بالتحالف السوري - الإيراني سيطرتها على الداخل، وهي تسعى إلى استثمار هذه السيطرة. وبالتالي، فإن كل تأخير في معالجة الصراع الإقليمي-الدولي يعني خسارة الدولة والحكومة والجيش.