هل تُحضَّر خطة أمنية جديدة للبقاع غير سابقاتها؟ وهل ستترجَم قرارات المجلس الأعلى للدفاع السرّية إجراءاتٍ على أرض محافظة بعلبك - الهرمل وضرباتٍ استباقية وفق بنوكِ أهدافٍ محدّدة؟ وماذا عن الأماكن التي يمكن أن يلجَأ إليها المطلوبون عند كلّ مداهمة؟ وهل هناك قرار بمعالجة الواقع الأمني في البقاع من جذوره؟
 

يَنشد أهالي البقاع عموماً وبعلبك خصوصاً الأمنَ والأمان بعد سنوات على فقدانه، حتى أصبح البعض بحكمِ المستسلم للأمر الواقع، لأنّ ما مِن قرار جدّي بالمعالجة، حيث أصبحت المدينة على موعد يومي مع إطلاق النار والمشاكل الأمنية، فيما اتّخَذ البعض دورَ المسحّراتي الذي يتولّى إيقاظ الناس على صوت الرصاص.


وفيما تضيع المسؤولية بين الأحزاب والدولة والعشائر، يسأل الناس عن السبب في جعلِ المنطقة بؤرةً أمنية مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وهل هي كذلك مقابل مناطق أخرى؟


ولأنّ لا مصلحة لأحد ببقاء الوضع الراهن هكذا، بدءاً من الأحزاب التي يُحمّلها البعض المسؤولية في تأمين غطاء سياسي فيما هي قد أصبَحت المتضرّرَ الأكبر، إلى الدولة والقوى الأمنية التي أصبحت في موقع العاجزة عن لجمِ هذا الفلتان الداخلي وتتعرّض العناصر الأمنية والعسكرية إلى إطلاق نار وقطعِ طرقٍ وثأرٍ نتيجة عملياتِ دهمٍ وغيرها، وتالياً العشائر والعائلات التي يتنافى ما يقوم به أبناؤها مع عاداتها وتقاليدها، يبقى السؤال عن الوقت واليوم الذي يرى فيه البقاعيون الأمنَ المنشود وسلطة الدولة فوق أيّ سلطة، ويسود القانون بديلاً عن لغة الرصاص.


وفيما لم تترجَم حتى الآن مقرّراتُ المجلس الأعلى للدفاع على أرض الواقع، يرى رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس، وهو العميد المتقاعد في الجيش اللبناني والخبير بالأمور العسكرية، في حديث لـ»الجمهورية»، أنّ مقرّرات المجلس الأعلى للدفاع تبقى سرّيةً، وكان الموضوع الأساسي للجلسة الأخيرة الوضع الأمني في بعلبكن وسَمعنا من خلال المقرّرات أنّ هناك اهتماماً لضبطِ الوضع في المنطقة إضافةً إلى الاهتمام بالوضع الإنمائي، وذلك لأنّ الأمن والإنماء يتلازمان مع بعضهما البعض آملين أن يكون هناك تدابير مدروسة بشكل كافٍ كي لا تكون مظاهرَ حملاتٍ أمنية ويكون هناك توقيفٌ للمطلوبين».


ولفتَ إلى «أنّ أهالي المنطقة لهم كلُّ الثقة بالجيش والقوى الأمنية كافة في ضبطِ الوضع». وعن ترجمة التدابير على أرض الواقع، أكّد اللقيس أنّ المنطقة شهدت تدابير على الأرض تمثّلت بحواجز ظرفية ودوريات بانتظار التدابير الاستثنائية التي ستكون بطبيعة الحال سرّية وتأخذ وقتاً.


وفي حين أنّ الأمن والإنماء مرتبطان ببعضهما البعض، يقارب مفتي بعلبك السابق الشيخ بكر الرفاعي الوضعَ في المنطقة من هذا المنطلق، ويقول في حديث لـ«الجمهورية» إنّ منعَ البناءِ في مدينة بعلبك ينعكس ركوداً اقتصادياً على المنطقة، حيث الدورة الاقتصادية متوقّفة، علماً أنّ معظم أراضي المدينة غير مفرَزة، والاستحصال على رخَص من التنظيم المدني مستحيل، ما ينعكس كسَلاً وبطالةً على الناس، وينطبق على ذلك المثلُ القائل: «رأس الكسلان معمل الشيطان»، مطالِباً باستثناء بعلبك من قرار مراكز المحافظات بالمنع، مضيفاً أنّنا في بعلبك نعيش في غابة يَحكمها الأقوى، حيث أصبحت الصراعات المسلّحة ثقافةً منتشرة، ما أنتجَ وضعاً أمنيّاً متفلّتاً، والحقّ أصبح يؤخَذ بيدِ صاحبه، وكأنّ هناك تصويراً لبعض مكوّنات المدينة بأن ليس مِن كرامات، سائلاً عن بلاغات البحث والتحرّي بحقّ مَن يُطلق النار، حيث أصبَحت الدعاوى التي يَرفعها الناس خاضعةً للمزاجية، فيُحرَّك بعضُها في نفس اليوم وتنام أخرى لأسابيع.


بدوره يرى مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ أسباب الوضع الأمني المتردّي في البقاع، وخصوصاً في مدينة بعلبك منذ سنوات، مردُّه إلى أسباب عديدة، منها: إنتشار السلاح غير المنضبط، والسيارات ذات الزجاج الداكن ومن دون لوحات، الغطاء العائلي والحزبي، فترى الحزبيين وبعضَ الضبّاط في ولائم يتواجد فيها مطلوبون، كذلك المعابر غير الشرعية على الحدود التي تسمح بانتقال المطلوبين إلى الداخل السوري عند كلّ مداهمة ليعودو بعد عدة أيام. ويضيف المصدر أنّ هناك ثمانية معابر غير شرعية يوجد عليها من الجهة السورية عناصر أمنية سوريّة ومن الجهة اللبنانية لا يوجد، وبالتالي لا مصلحة للسوريين بضبط المعابر من جهتِم بغية الاستفادة المادية من المطلوبين والمهرّبين، وبالتالي يقع ذلك على عاتق الدولة اللبنانية بإقفال تلك المعابر ووضعِ نقاطٍ عسكرية ثابتة عليها.


ويشير المصدر إلى أنّ الضبّاط الذين يتولّون الأمنَ في المنطقة هم من أبناء المنطقة ويتعرّضون للخطر وعائلاتهم عند كلّ مداهمة، وسبقَ وتعرّض العديد منهم لإطلاق نار وقطعِ الطريق عليهم، كذلك القرارات بالحواجز الظرفية لساعات أو لأيام أصبحت غيرَ مجدية، وكلّ المعالجات السابقة لم تلجأ إلى الحلّ الجذري، وإذا ما أوقِف مطلوب تقتصر العقوبة على أشهرِ سَجنٍ، ما يدفعهم لتكديس الأموال والتجارة مقابل أشهرِ سجنٍ، ويَختم المصدر أنّ المصالحات التي تقوم بها العائلات والأحزاب والفاعليات تأتي في أغلب الأوقات منقوصة، حيث لا يُسلّم الجاني إلى القضاء، بل تقتصر المصالحة على دفعِ «الجنية» ما يشجّع الفاعل على ذلك مرّةً أخرى إذا ما رأى أنّ أيّ جريمةٍ أو حدث يحلّ بالأموال.


أكثر من شهر، وثلاثة شبّان من بلدة عدوس البقاعية مخطوفون مقابل أموال مستحقّة عليهم، وإلى الآن لم يتحرّك القضاء أو الأجهزة الأمنية لإطلاق سراحهم، وغيرها من الأحداث التي لم تلقَ حلّاً حتى الآن، ما يدفع الناس إلى السؤال عن المسؤول حول هذا التقصير، ولماذا لا يتّخذ القرار بحِفظ الأمن وإقامة نقاط عسكرية ثابتة وحواجز، وتسيّر دوريات على مدار اليوم وخلال الليل، في حين أنّ منطقة رأس العين في بعلبك أصبحت ملهى للخارجين عن القانون. ليبقى الأمل بضبطِ الأمن في بعلبك ومحيطها حتى لا تتحوّل إلى غابةٍ تسود فيها شريعة الرصاص والقذائف، ما يَجرُّها إلى أماكن لا أحد يتمنّاها.