عند الفصل أو الجمع بين النيابة والوزارة، يقف على ضفة الفصل كلٌّ من «حزب الله» و«القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، وعلى ضفة الجمع «التيار الوطني الحر» الذي قد تنضمّ إليه حركة «أمل». فما هي خلفيّة قرار كلّ فريق؟ وماذا عن روحيّة الدستور؟
 

لم يكن ينقص كثيراً من الأطراف اللاعبة على الساحة السياسية اللبنانية، إلّا أن يكون بعض مواد الدستور اللبناني غامضاً إلى حدٍّ ما، فيُفسَّر وفق المصالح. هذا الدستور نفسُه الذي خُرِق في أكثر من محطة دستورية وعلى أكثر من مستوى سياسي. وليس اعتبارُ البعض أنّ الدستور يُجيز الجمعَ بين النيابة والوزارة وإغفال مقدّمة الدستور التي تنصّ على «الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها» إلّا محطة «اجتهادية» غير شرعيّة أخرى في محطات استغلال القانون الأعلى في لبنان. أمّا بعض مَن هم على الطرف الآخر، فلا يبدو أنّ اختيارَهم الفصلَ بين النيابة والوزارة نابعٌ من إقتناعٍ مبدئيّ أيضاً.


رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» كانا أوّل الذين طرحوا هذا الفصل، وكان «التيار» عرّابَ مشروع قانون التعديل الدستوري عام 2009. أمّا بعد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وفوز الوزير جبران باسيل بمقعدٍ نيابي، خفّت اندفاعةُ «التيار» في هذا الاتّجاه، بل ظهرت معطياتٌ عدّة تشير إلى التراجع عن الفصل بين النيابة والوزارة سببه التوجّه الى توزير رئيس «التيار» باسيل مجدّداً. ويقول متابعون إنّ «التيار سيعمد الى توزير نوابٍ آخرين بغية التغطية والتمويه على خلفيّة القرار الحقيقية».


يرفض النائب آلان عون ربط قرار «التيار» الفصل أو الجمع بين النيابة والوزارة بهدف توزير باسيل. ويقول لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا الموضوع ما زال في طور المناقشة وقيد البحث على صعيد التيار»، ويؤكّد «أنّ القرار لم يُحسَم وهو مفتوح على أكثر من خيار وأنّ هناك احتمالاً للفصل بين النيابة والوزارة».


وهذا السياق يذكّر عون بـ«اقتراح القانون المتكامل الذي قدّمناه في 2009 والذي ينصّ على انتخابِ نائبٍ رديف ليحلَّ مكانَ النائب الأصيل في حال تمّ توزيرُه، ولكنه لم يُقَرّ حينها».


ألا يناقض «التيار الوطني الحر» نفسَه ويغيّر مبادئه في حال جمع هذه المرة بين النيابة والوزارة، بعدما كان مِن حاملي لواء الفصل بين المنصبَين؟ يجيب عون: «هذا الموضوع قابلٌ للنقاش، فكما أنّ هناك منطقاً متكاملاً قائماً على فصل النيابة عن الوزارة، هناك دول لا تسمح بتوزير غير النواب». ويقول: «لا يوجد ما يمنع أن يختار التيار توزيرَ عددٍ من نوابه، على رغم أنه لم يقم بذلك بعد منذ عام 2005»، مشيراً إلى أنّ «هذه الخيارات ترتبط باعتباراتٍ عدة، منها طبيعة المرحلة والحكومة».


«التيار الأزرق» افترق عن «التيار البرتقالي» في هذا الخيار، وأعلن رئيسُه سعد الحريري قبل أيام قرارَه الفصل بين النيابة والوزارة. وقد فسّر البعض أنّ الغاية من هذا القرار هو «فصل الوزير نهاد المشنوق أكثر من فصل النيابة عن الوزارة»، ويضيف هؤلاء: «يبدو أنّ كلّاً من التيارَين اتّخذ قرار الفصل أو الجمع بسبب توزير أحدهم أو قطع الطريق على توزيره». وعزّز هذه الفرضيّة ردُّ المشنوق، الذي أكّد أنه لم يتبلّغ «رسمياً» من تيار «المستقبل» قرارَ الفصل بين النيابة والوزارة، رافضاً أن يتمّ «إبلاغُه عبر الإعلام».


ردّة فعل المشنوق هذه «غير منطقية»، حسب مصادر «المستقبل»، التي تشير إلى أن «ليس بالضرورة أن يكون هذا القرارُ اتُخذ فقط لاستهداف النائب نهاد المشنوق، فالمطالبة بهذا «الفصل» كانت دائمة في «تيار المستقبل»، مؤكّدةً أن «لا وزارة تدوم لأحد ولا يُمكن أحد اعتبارها مخصّصة له». ويعتبر البعض أنّ قرارَ الحريري يلبّي «طلباتٍ سعودية» وفي إطار حملة التغييرات التي يقوم بها الحريري داخل «التيار» وإبعاد بعض الأشخاص الذين اعتُبروا أنهم ممَّن ساهموا بـ «الانصياع» لـ»حزب الله» وفي تردّي علاقة الحريري بالسعودية ما أدّى إلى استقالته من الرياض في تشرين الثاني الماضي. لكنّ مصادر «المستقبل» تؤكّد أنّ «هذا القرار قد يكون جزءاً من رؤية الرئيس سعد الحريري الإصلاحية للتيار».


ولكن «ألم يكن الأجدر بالحريري أن يبدأ بنفسه، إذ إنه يجمع بين النيابة ورئاسة الحكومة»؟ تجيب المصادر، أنّ «رؤساء الوزراء في غالبية الحكومات يكونون من أعضاء المجلس النيابي».


إذاً، إن كان تيار «المستقبل» مقتنعاً بهذه الخطوة هل سيدفع في اتّجاه تعديلٍ دستوريٍّ ينص على الفصل بين النيابة والوزارة؟ تجيب المصادر «المستقبلية» نفسُها: «لم تذهب الأمور بعد في هذا الاتّجاه حتى هذه اللحظة»، وتشير إلى «أنّ هناك تفسيراتٍ عدة وجدلاً في هذا الموضوع في أكثر من جهة بين الأفرقاء السياسيين».


وفي حين حسم كلّ من «حزب الله» و»القوات اللبنانية» قرارَه بفصل النيابة عن الوزارة وفق أسباب مبدئيّة تتعلّق بضرورة الفصل بين السلطات الدستورية ومراقبة المجلس النيابي للأداء الحكومي، يبدو أنّ حركة «أمل» قد تجمع بين النيابة والوزارة من منطلق استكمال الوزير علي حسن خليل للعمل الذي قام به في وزارة المال، خصوصاً أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أكّد مراراً ولا يزال أنه لن يتخلّى عن هذه الوزارة، وسبق أن قال إنّ «وزارة المال في الحكومة ستكون من نصيب الطائفة الشيعية وإنّ الوزير علي حسن خليل سيعود وزيراً للمال لكي يراقب كلَّ قرش يتمّ صرفُه».


بعيداً من مواقف اللاعبين السياسيين المحليين الأساسيين، ماذا عن الخلفيات والحقائق الدستورية؟


تنصّ المادة 28 من الدستور اللبناني المُعدَّلة في 1927 و1929 على أنه «يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة. أما الوزراء فيجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما».


ويوضح النائب والوزير السابق ادمون رزق الذي شارك في وضع «اتّفاق الطائف»، أنه قدّم طرحَين ضمن مشروع تعديل الدستور في مؤتمر الطائف: «إعطاء حقّ الاقتراع لمَن بلغوا الـ18 عاماً وفصل النيابة عن الوزارة». وأكّد أنّ «هذين الطرحين لم يُعتمدا».


ويقول رزق لـ«الجمهورية» إنّ «فصل النيابة عن الوزارة يجب أن يتمّ تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات». ويوضح أنّ هذا التعديل الدستوري ينطلق أيضاً من الالتزام بقيَم الجمهورية Les valeurs républicaines، وهذه القيَم هي روح القوانين والدساتير، فيما كلّ شيء في لبنان مبنيٌّ على التسويات والمحاصَصة وليس على المبادئ». ويشير إلى «أنّ دستور 1920 مُستوحى من دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا التي تطوّرت بعد الثورة الفرنسية في اتّجاه تطبيق مبادئ الجمهورية، ومن أبرزها الفصل بين السلطات، لأنّ حصر السلطات وتداخلها يؤدّي دوماً إلى إساءة استعمالها. والمصادر التي استوحى منها المشرّع آنذاك تنصّ على الفصل الكلي بين السلطات، وأن لا حقَّ للنائب في أن يكون وزيراً». ويعتبر رزق أنّ «جمع النيابة والوزارة موضوع تشكيك وإرباك لعملية النهوض، لأنّ البلد ينهض على أسس مبدئية».


صفةُ النيابة تلازم «النائب الوزير» طالما يجيز الدستور الجمعَ بين الصفتين، ويتقاضى راتباً واحداً وهو الأعلى، أي راتب الوزير. ويقول معنيّون «النائب الوزير يستفيد من منافع الوزارة ومن الحصانة النيابية»، أما آخرون فيقولون إنّ في غياب حكومة أكثرية تقابلها معارضة نيابية يسقط الفصلُ بين المجلس النيابي والحكومة، فالقوى نفسها التي يتكوّن منها المجلس النيابي تتألّف منها الحكومة أيضاً، فتغيب الرقابة والمحاسبة، وبذلك يظهر النواب وكأنهم وزراء جميعاً «شو وِقفت عالنايب الوزير؟».