المشكلة ليست بتسمية رئيس الـحكومة ولا بعدد الأصوات التـي سمته، بل بالتشكيلة الحكومية وتوزيع حقائبها وبيانها الوزاري
 

بوادر المساعي لتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان بانت بوادرها من خلال اللقاءات التي بدأت بلقاء عون - بري وقوله عن ضرورة البدء بالاستشارات النيابية الملزمة مؤكداً اننا بحاجة لساعة بالناقص، وحصلت الاستشارات بالأمس في القصر الجمهوري وحصل الرئيس سعد الحريري على نسبة من الاصوات التي سمته لتأليف الحكومة العتيدة، كل هذا مقبول وضمن المساعي المسؤولة لتحقيق رغبة اللبنانيين في تشكيل حكومة وطنية تلبي حاجات ومطالب كل اللبنانيين من اقصاه إلى اقصاه ويمكن القول أننا في الطريق السليم باتجاه تشكيل الحكومة.
وهكذا يمكننا القول للرئيس سعد الـحريري انه ضمن التكليف، ولكنّ الـمشكلة ليست بتسمية رئيس الـحكومة ولا بعدد الأصوات التـي سمته، بل بالتشكيلة الحكومية وتوزيع حقائبها وبيانها الوزاري.
هل يكفي أن يقوم رؤساء الكتل بتسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة وإنتهت المسالة وتقاربت الأفكار والتوجّهات وبات الجميع يقدم التسهيلات من أجل اقلاع حكومة العهد الاولى؟ أم سيبقى هناك من يقول أن الاحتكام الى نتائج الانتخابات هي القاعدة التي يجب الانطلاق منها لتأليف الحكومة؟
كل الكتل وخصوصاً الكبيـرة منها، مشغولة هذه الأيام فـي نفخ أحجامها كي تـحصل على الوزارات الدسـمة، أمّا الكتل الصغيـرة منها، فـهي ستحاول  جمع ما إستطاعت من الـمستقليـن الضائعيــن، الذين يبـحثون عن دور ما، كي يُـسمح لـها ولـهم بدخول جنّة الـحكومة.

إقرأ أيضًا: هل فكرة التغيير في لبنان ممكنة؟


صحيح أن الـحياة الـديـموقراطية تلزم القبول بنتائج الإنتخابات وإن لـم تكن مثالية وبقانون غيـر مثالـي، ولكن للأسف الشديد، فـي ظل المعطيات الآنية، أصبحت أحجام الكتل تـحدّد أعداد الـحقائب الوزارية ونوعيتها، لا النزاهة والكفاءة ونظافة الكفّ، ولا برنامج عمل الـحكومة أو بيانـها الوزاري، ولا مدى إلتـزام جـميع الوزارء بالبيان الوزاري والعمل على تطبيقه. معظم الـحكومات بعد "الطائف" كانت إئتلافية ووفاقية بتـركيباتـها، وكذلك الأمر بعد إتفاق "الدوحة"، إلاّ مرة واحدة، بعد الإنقلاب على الرئيس سعد الـحريري، حيـن كان يلتقي الرئيس الأميـركـي فـي البيت الأبيض، وتـمّ تشكيل حكومة من لون واحد شكلها الرئيس نـجيب ميقاتـي، ولكنها مثل غيـرها من الـحكومات السابقة، فشلت فشلاً ذريعاً فـي الـحفاظ على الأمن والإستقرار، ولـم تـحقّق أيّ إنـجاز فـي ملفات الكهرباء والـمياه والطرقات والإتصالات والنفايات، ولا فـي تـحفيـز الإقتصاد والـحدّ من البطالة، ولا فـي وقف الـهدر واجتثاث الفساد.
على العموم، فـي الأزمات الكبيـرة والـحروب والظروف الإستثنائية، تلجأ غالبية الدول إلى تشكيل حكومات "وحدة وطنية" كي تتـحمّل كل الأطراف والأحزاب السياسية مسؤولية إتـخاذ القرارات الصعبة والـحرجة التـي تـهدّد الوطن، أمّا فـي الظروف العادية وفـي البلدان الـمستقرة والراقية، الأكثرية تـحكم والأقلية تعارض وتـحاسب، وهذه تُعتبـر قمة الديـموقراطية، لأنّه من دون مـحاسبة ومراقبة لا ديـموقراطية ولا إنتاجية ولا شفافية.
الآن، وفـي خضمّ الأزمات التـي يعيشها وطننا، خصوصاً ونحن على أبواب تشكيل الحكومة  فـي لبنان، بدءً من حالة البطالة المستشرية والتدهور الإقتصادي والـمعيشي واهتـراء البنـى التحتية ووصول الـدين العام إلى مستويات مـخيفة، إلى أزمة إنسحاب الولايات الـمتحدة من الإتفاق النووي مع إيران، إلى ردّة الفعل الأولى، ولا نعرف ماذا سيليها، على نـجاح "حزب الله" وحلفائه فـي الإنتخابات بعقوبات أميـركية وخليجية، وتزايد الـمخاوف من تداعياتـها السياسية والإقتصادية... كل ذلك وغيـره يـحتـمّ على دولة الرئيس الـمُكلّف، وبالتنسيق والتعاون مع فخامة رئيس الـجمهورية، العمل على تشكيل حكومة وفاقية تستطيع التصدّي لـهذه الأزمات، وأن يـُخرجا التشكيلة الـحكومية من خانة الـمحاصصة والكيدية والتعطيل، ويُعيدا الـحياة لـمفهوم السلطة التنفيذية، بكل ما تـحمل من مهام ومسؤوليات، فيستجيبان لأمانـي الشعب وطموحاته، ويقدّمان تشكيلة حكومية قوية ومتجانسة ومتضامنة، لا ثلث ضامناً فيها لأحد، ولا إقصاء أو إلغاء لأيّ فريق تـحت أيّ ذريعة أو حجّة، حكومة وحدة وطنية جامعة ومرتكزة على الـتخصّص والكفاءات ونظافة كَفّ أعضائها، قادرة على مواجهة تـحدّيات الـمرحلة، وتلبّـي تطلّعات اللبنانييـن فـي الإنتاجية والشفافية وفـي تثبيت سياسة الـحياد عن الصراعات الإقليمية والدولية.

إقرأ أيضًا: ما هو شكل الحكومة اللبنانية الجديدة؟


إن خطاب القسم الذي شكّل نقطة مـحورية فـي الـحياة السياسية اللبنانية، يصلح فـي أيّ وقت أن يكون هو نفسه البيان الوزاري للحكومة، فلا لزوم للشعارات والشعارات الـمضادة، ولا لزوم للنكايات والتـحدّيات، لأن الـمقدّسات التـي لا يـجوز الـمساس بـها هي ثلاث: سيادة لبنان، ووحدة أرضه، ووحدة شعبه، وكل ما زاد على ذلك، هو للقهر والإستفزاز والتسلّط، ولا لزوم للأطماع والأنانيات ولجشع الفوز بكل شيء، ولا لزوم للوعود البـراقة الـمستحيلةْ التنفيذ، يكفي بعض الـحكمة والتواضع والتضحية والعودة إلى الـجذور اللبنانية الأصيلة، يكفي البدء بتطبيق الطائف حسب جوهره وبعيداً عن الاستنسابية بالتطبيق، يكفي الإستقرار الأمنـي والإصلاح الإجتماعي والإقتصادي، يكفي أن تبدأ الـحكومة بإطلاق نـهضة إقتصادية تغيـّر إتـجاه الـمسار الى الهاوية، فتوفّر فرص عمل للشباب، تكفي معالـجة مسألة النـزوح السوري عبـر تأميـن العودة الآمنة، يكفي تطبيق اللامركزية الإدارية وتـحسيـن البنـى التـحتية والـخدماتية والـمعيشية، يكفي تعيــيـن هيئة قضائية لـمكافحة الفساد، وتفعيل أجهزة الرقابة وتـمكينها من القيام بكامل أدوارها، يكفي فصل النيابة عن الوزارة والبدء بتطبيق قانون "من أين لك هذا". 
يقول كونـفوشيوس "فـي ظلّ حكومة فاضلة الفقر عار، وفـي ظلّ حكومة سيئة الغنـى هو العار".
نعم، يكفي يا فـخامة الرئيس ما ورد فـي خطاب القسم لتكون الـحكومة الـجديدة عن حق حكومة العهد.