هناك حديث مبكر عن مدّ يد الحزب على جيب نبيه بري لأخذ حصة وزارية منه وهذا ما سيصطدم بجدار حركة أمل بطريقة أو بأخرى
 

 

كما كان متوقعاً وكما هو متفق ذهبت الاستشارات النيابية الى تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة على أن يأخذ وقته في تشكيل حكومة ليس من السهل إخراجها الى العلن بالسرعة المطلوبة والمرجوة كون الاستحقاقات الكثيرة باتت داخل البيوت لا على أبواب لبنان باعتبار أن الحصص الحكومية سوف توزع بطرق غير متفق عليها بعد ، إذ هناك تغيير غير بسيط  في نسب الحصص الوزارية المعطاة والممنوحة للقوى السياسية لأن الانتخابات النيابية قد أفرزت وضعاً نيابياً تمثيلياً جديداً فباتت القوّات أكثر عدداً مما كانت عليه سابقاً وهي تريد محاصصة حصّة التيّار القوي انسجاماً مع مبدأ القوات والقوّة التي يتحدث عنها باستمرار الوزير جبران  باسيل كما أن تيّار المستقبل قد أصبح أسير محاصصة سُنية بعد أن جاءت الانتخابات النيابية لصالح شخصيات سنية باتت كتلة نيابية معتدٌ بها وهي تريد حصّة وزارية وهذه الحصّة ستُقطتع من حصّة المستقبل كما أن "حزب الله " وعلى ضوء الوضع الاقليمي ووهن "إيران " نتيجة الشروط الاميركية الضاغطة على اقتصاد ايراني أمسى شبه ميّت نتيجة تراكم الأزمات في بلد مازالت قياداته تراهن على دورها المؤثر في العالم لتصبح سيدة الخليج برضا الغرب , والدولة الأوسطية الممسكة بكثير من أوراق القوّة فيها , وقد سارع الحزب وبعيد لحس أميركا لتوقيعها من الاتفاق النووي الى مقاربة جديدة مبنية على تسهيلات حلول لبنانية قائمة على تفاهمات مكررة مع خصومه كيّ يحرّر وضعه من مرحلة إفلاس مالي وتطويق عربي خليجي وضع الحزب  في خانة الإرهاب وهذا ما سيعيق حركة الحزب في السلطة وفي الحكومة إذ من الصعب أن تتعاطى المملكة العربية السعودية ودول الخليج مع حكومة راضخة لخصوصية الحزب سواء لدوره في الخارج أو لدوره الاستثنائي في الداخل وبالتالي هناك وزراء للحزب  مباشرين في الحكومة ومؤثرين فيها وهذه معضلة تحتاج الى أكثر من اجتهاد لتبرير تعاطي عربي مع حكومة فيها وزراء حزب موضوع على لائحة الإرهاب .

 

إقرأ أيضا : رحلة تشكيل الحكومة شاقة وصعبة

 

 

كما أن هناك حديث مبكر عن مدّ يد الحزب على جيب نبيه بري لأخذ حصة وزارية منه وهذا ما سيصطدم بجدار حركة أمل بطريقة أو بأخرى لأن إلتفات الحزب الى حصّة الطائفة ومحاصصة الحركة سيصدّع من جدار العلاقة القائمة لأن الباب قد فُتح على لعبة المصالح , وفي المصالح كلام آخر وعلاقة أخرى سوف نشهد سخونتها اذا ما قرّر الحزب أخذ ما بيد الحركة من وظائف ووزارات .

طبعاً هذا وضع القوى الأساسية والتي أفرزتها الانتخابات النيابية كلاعبين كبار في الملعب السياسي ولا ننسى رفض الزعيم وليد جنبلاط لتوزير طلال أسلان باعتبار أن قوّة الطائفة التي يتحدث عنها جبران هي في زند ابن جنبلاط تيمور وعليه ستكون الأمور الوزارية حامية داخل الطائفة الدرزية أيضاً وهذا ما سينسحب على الطوائف الأخرى وعلى نفوذ القوى داخل كل طائفة اضافة الى طبيعة وضرورة تمثيل مناطقي والاّ تعرضت كل طائفة لهزّة مناطقية وهنا تبرز على المستوى الشيعي ضرورة العدل في التمثيل المناطقي ما بين البقاع والجنوب حيث يشعر أهل البقاع بغبن لاحق بهم باستمرار وهم لم يتساووا خدماتياً وتمثيلياً مع أهالي الجنوب.  وماذا اذا قرّر الحزب توزير النائب جميل السيّد ؟ وهو بذلك يكون قد دق إسفيناً بينه وبين حركة أمل وبينه وبين تيّار المستقبل ليكون قنبلة موقوتة داخل الحكومة .

 

إقرأ أيضا : سعد الحريري: يُكلّف ولا يُألّف

 

 

يبدو أن هذا الوضع المأزوم ليس بمشكلة فإمكانية توسعة الحكومة لإرضاء الجميع ممكنة ولكن تبقى الوزارات الخدماتية مطلباً لا يمكن تجاوزه بسهولة التوسعة كما أن الظروف على الحدود مع سورية قد دخلت مرحلة جديدة من الصراع واذا ما دخلت قوّات عربية الى سورية فهذا يعني عودة غير ميمونة للانقسام الحاد في لبنان وما سينتج عن ذلك من مواقف متناقضة في السلطة وفي الشارع  واذا ما أفضت حرب اليمن الى عودة الشرعية اليه وانكفاء "أنصار الله " سيكون للبنان جولة من جولات الاختلاف على ذلك كما أن تداعيات الملف النووي ستمرّ بلبنان بأشكال سلبية طبعاً وهذا ما سيكون له الإنعكاس السلبي الأكيد على الاقتصاد والسياسة و الأمن .

لهذا كله و لأسباب أخرى أكثر جوهرية يمكن أن يخرج الرئيس سعد الحريري قسراً أو طوعاً من هذا الامتحان الصعب و المرّ ويعتذر عن تشكيل الحكومة ما دامت  الحكومة حكومة تحديات ضخمة داخلياً و خارجياً و إمكانيات المواجهة صفر فالاقتصاد أكثر من مريض والسياسة ليست بيد الحكومة والقوّة في أمكنة بعيدة عنها وما هي الاّ ضرورة قانونية لبقاء البلد في عهدة الدستور . ( طبعاً الاعتذار مستحيل لتعلًق الحريري بالرئاسة ).

كلما اقترب الحزب من الحكومة كلما ابتعد عنها الحريري و كلما ابتعد الحزب عنها اقترب الحريري منها حتى لا يُحشر مع الدول العربية والخليجية تحديداً وحتى تبقى علاقاته جيدة مع أميركا التي قرّرت تطويق إيران بقوّة (ببنسة لقط ) كيّ تستسلم و تترك الحرب في  "سورية " و "اليمن " وتتخلى عن أدوارها المكثفة في العالم من خلال دعمها لتيارات نائمة و أخرى مستيقظة جداً في كثير من الدول .