16 عاماً طريح الفراش، لا يعرف شيئاً عن هذا العالم الخارجي، جسده المنهك طريح الفراش لا يقوى على الحراك أو التنفس من دون هذه آلالات التي أصبحت جزءاً من جسده وكل حياته. من غرفته التي لا يعرف سواها في هذه الحياة انتظر عباس سنيناً حتى يحقق حلمه في لقاء الشمس والبحر والطبيعة...حلمه في رؤية الحياة خارج الجدران الأربعة التي يعيش في كنفها منذ ولادته. 

عاش عباس 16 سنة ينتظر تلك اللحظة، وكم طال هذا اللقاء مع هذا العالم الخارجي، لكنه لم يفقد الأمل، بقي متمسكاً بهذا الحلم برغم تعبه وضعفه ولحظات يأسه. هذا السر الذي احتفظ به مطولاً أصبح حقيقة يعيشها فعلاً بالصوت والصورة.

نجح الفريق الطبي المتابع لحالة عباس برئاسة عميد الجامعة الأميركية البروفسور محمد صايغ والدكتور إيهاب جيزي في فكّ أسر عباس في هذا اليوم وإخراجه من هذا الكادر الثابت الى عالم متحرك. أصرت العائلة كما الأطباء على إبقاء اللقاء الاول بعيداً من الإعلام خوفاً من أي انتكاسة او عامل مفاجىء، لم ينم عباس في تلك الليلة قبل اللقاء، كانت أفكاره وفرحته أكبر من عادة النوم اليومية، استعجل شروق الشمس ليطلق روحه خارجاً.

لم يغمض له جفن في تلك الليلة

يُشاركنا والده أحمد عقيل مشاعر عباس وتفاصيل نزهته الاولى قائلاً " في ساعات الفجر، غلبه الخوف والقلق، كان خائفاً من أي انتكاسة او تفصيل صغير قد يُسبب له الوفاة. يعيش بفضل هذه الأجهزة الطبية فماذا لو حدث مكروه وانهى كل شيء؟ شارك مخاوفه مع الممرضات قبل أن يطمئن الى ان الأمر في يد الأطباء ولا داعي للخوف، فهو أمانة لن يُفرطوا بها".

في الصباح، انتهت اللمسات الأخيرة قبل الخروج، اختار لباسه ونظاراته الشمسية وانتظر وصول الأطباء الدكتور جيزي والدكتور الخطيب والسيدة رانيا غنوم وصديقتيه لمشاركته هذه الفرحة في لقاء الشمس. أشرف الأطباء على أصغر وأدق التفاصيل، من سيارة الإسعاف الى الأجهزة الطبية وآلة التنفس لتأمين رحلة آمنة دون مضاعفات.

ويتابع والده تفاصيل هذا النهار قائلاً "عند نزوله إلى سيارة الاسعاف كان اول لقاء له مع الشمس، ابتسم ولم يغمض عينيه ورفض وضع النظارات فهو يريد أن يتحداها وينظر في عينيها .وانطلقت الرحلة إلى داخل الجامعة الاميركية، توقف في محطات حيث تأمل السماء والشجر والبناء والحجر، كان يريد ان يشبع عينيه من كل هذا المشهد الجميل".

عالم غريب عني

من حرم الجامعة الى كورنيش المنارة، شاهد عباس البحر والسفن والطيور، كانت لحظات مؤثرة احتفظ من خلالها عباس بصور تذكارية محفورة في قلبه وعلى الورق. عند رؤيته للبحر سأل عباس اذا كان بإمكانه ان يشرب من ماء البحر، سأل عن السفن والطائرة والمارة وعن كل تفصيل شاهده في ذلك النهار. ساعتان من التأمل واختبار الحياة الخارجية قبل ان ينتهي المشوار وتأتي الساعة للعودة الى غرفته وسريره الذي فارقه للمرة الأولى منذ 16 عاماً.

"شعور لا يوصف"، بهذه الكلمات اختصر والده احمد "لقاء عباس مع العالم الخارجي. لم يكن يصدق كل ما تراه عينيه، كان كل شيء جديداً بالنسبة له. أراد ان يلتهم الحياة بكل تفاصيلها ليعود الى غرفته محملاً بهذه الذكريات، ذكرياته الاولى.كأنه طفل يكتشف هذا العالم بخطواته الاولى".

كان يصعب على عباس وفق والده "ان يجد نفسه في هذا العالم الخارجي، كان غريباً عليه، بالنسبة اليه عالمه هو هذه الغرفة التي كبر فيها. انا هنا اعرف كل شيء، هي الآمان التي ترعرت بظله في حين ان الخارج هو غريب عني، ليس لي".