رحلة تأليف الحكومة هي أصعب مما يتصورها الرئيس الحريري، وهي محفوفة بالكثير من الشروط والعراقيل والمطبات
 

أما وقد تم اجتياز عقبة الإنتخابات النيابية التي جرت في السادس من الشهر الجاري دون تسجيل أي خلل أمني يذكر في أي من المناطق على امتداد الجغرافيا اللبنانية، وتمكن اللبنانيون من اختيار أعضاء لمجلسهم النيابي رغم كل الشوائب التي رافقت سير العملية الانتخابية والضغوطات والاتهامات بالتزوير والارباكات والتغطية على الكثير من التجاوزات المكشوفة كفقدان عدد من المحاضر لبعض أقلام الاقتراع ونقل الصناديق دون مواكبة من القوى الأمنية إلى الأمكنة المخصصة لها، إضافة إلى عمليات رشاوى موصوفة. لكن رغم كل ذلك فقد تم اعلان النتائج الرسمية وتسمية النواب الفائزين والذين فرض أغلبهم كأمر واقع وذلك بقوة قوى الأمر الواقع المتسلطة على مفاصل البلد. 
وقد أنتجت هذه الانتخابات خارطة جديدة على صعيد عدد مقاعد الكتل النيابية فـ "حزب الله " استطاع مع حلفائه من تحقيق غالبية وازنة وبدا واضحًا صعود نجم القوات اللبنانية التي ضاعفت من عدد مقاعدها النيابية في البرلمان من ثمانية إلى ستة عشر مقعدًا فيما تراجعت حصة تيار المستقبل من ثلاثين إلى 21 مقعد. 
والعقبة الثانية كذلك تم عبورها بهدوء وسلاسة ودون أي اعتراضات إذ أنه تم إعادة انتخاب رئيس حركة أمل نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي للمرة السادسة منذ العام 1992. كما تم انتخاب ايلي فرزلي نائبًا لرئيس مجلس النواب وكذلك تم انتخاب مروان حمادة وآلان عون أمناء مكتب المجلس وباقي أعضاء المكتب. 

إقرأ أيضًا: ترتيب البيت الداخلي لتيار المستقبل لأسباب سياسية
لكن العقبة التي يبدو أنها ستكون كأداء وستواجه بالكثير من العقبات والعراقيل هي رحلة تشكيل الحكومة والبيان الوزاري، فعلى الرغم من توافر شبه إجماع على إعادة تكليف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة، وعلى رغم تشدد كافة القوى السياسية والأطراف الحزبية على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة، إلا أن مهمة الرئيس الحريري سوف لن تكون سهلة، وقد تكون شاقة وصعبة لأنها تصطدم بحسابات داخلية واعتبارات خارجية، وسيكون من الصعوبة بمكان إيجاد تركيبة حكومية وتوليفة من كل الأطراف المشاركة في الحكم توافق عليها كل القوى السياسية ولو بالحد الأدنى وفي الوقت عينه تكون مقبولة على الصعيدين الإقليمي والدولي. 
فعلى ضوء حصول الثنائية الشيعية على 26 من أصل 27 مقعدًا شيعيًا، فإن هذه الثنائية تصر على الاحتفاظ بوزارة المالية ليكون للطائفة الشيعية حق التوقيع الثالث كبند أول وخلافًا لإتفاق الطائف الذي لم يأت لا من قريب ولا من بعيد على ذكر توزيع الوزارات بين الطوائف، والحزب يطالب بحصة وازنة، ومن المرجح أن يتمسك بموقفه سيما وأنه يريد إيصال رسالة بأن العقوبات الأميركية لن يكون لها أي تأثير عليه وعلى مشاركته في الحكومة، وايضًا فإن القوات اللبنانية تتمسك بالحصول على حصة توازي التيار الوطني الحر آخذة بعين الاعتبار ما حققته في صناديق الاقتراع. 
فاستشارات التكليف بدأت اليوم والواضح أن المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة هو سعد الحريري الذي يحظى بتأييد معظم الكتل النيابية الكبيرة في المجلس النيابي، إلا أنه لا شيء يوحي بأن هذه الكتل الطامحة إلى حصص وازنة في الحكومة العتيدة مستعدة للتنازل عن طموحاتها لتسهيل مهمة الرئيس الحريري في تشكيل الحكومة بالسرعة المطلوبة التي يريدها هو ورئيس الجمهورية لتحصين لبنان في وجه التحديات التي تواجهها المنطقة برمتها. 
وعليه فإن رحلة تأليف الحكومة هي أصعب مما يتصورها الرئيس الحريري. وهي محفوفة بالكثير من الشروط والعراقيل والمطبات، وبالتالي فهي رحلة شاقة وقد تستغرق بضعة أشهر إن لم يكن أكثر، وقد تصل الأمور إلى حد اعتذار الحريري عن التشكيل ودخول البلاد في الفراغ، سيما وأن لبنان مشهود له بالفراغات الدستورية التي تمتد لسنوات.