ما طلبه وزير الخارجية الأميركي من نظام الولي الفقيه شيء واحد لا ثاني له، هو الانتحار. فسواء عاند النظام الإيراني أو رضخ، فهو في الحالتين ذاهب إلى أسفل سافلين.
 

كان بعض الكتاب والمحللين، بحسن النية أو بسوئها، يروجون لمقولة إن المعممين الإيرانيين أصحاب دهاء سياسي وعسكري واقتصادي لا يضاهى، وإنهم أثبتوا ذلك بخروج حرسهم الثوري ومخابراتهم من حدود دولتهم الإيرانية إلى عواصم عربية مهمة كانت عصية على أي احتلال، وبجعلهم جمهوريتَهم الإسلامية تقف ندا لند مع قوى دولية كبرى، وتفرض نفسها على من يرضى ومن لا يرضى، وبجدارة، حتى صاروا قادرين على إجبار رئيس أقوى دولة في العالم، باراك أوباما، على الرضوخ لإراداتهم، وغض بصره وبصيرته عن احتلالهم لدول عربية، وتدخلاتهم وتحرشاتهم بدول عربية أخرى، ومنها دول حليفة تاريخيا، لأميركا، وفيها لها مصالح إستراتيجية من الطراز الأول.

والحقيقة هي أن كلاما من هذا النوع صحيح، وغير صحيح، في آن واحد. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن الأمور لا تقاس بأوائلها، وإنما تقاس بخواتيمها دائما وعلى امتداد التاريخ البشري الطويل.

فدولة صدام حسين، مثلا، كانت قوية أيضا، ومهابة، واستطاعت رغم الفارق الكبير بينها وبين إيران من حيث المساحة وعدد السكان والثروات، أن تحارب جارتها ثماني سنوات، وأن تمنعها من احتلالها، بل جرَّعتها كأس سم، وأذلَّتها، في النهاية.

وصدام حسين نفسه، أيضا، امتلك الصواريخ والطائرات والبوارج الحربية والمدفع العملاق والسلاح الكيمياوي، وهتفت له الملايين العربية والإسلامية، ونعته مساعدوه ومستشاروه بقائد العرب والمسلمين أجمعين، إلى حد أن أصبح يتحدى دولا عظمى، ويهددها بالاندثار. ألم يهدد بحرق نصف إسرائيل؟

ومثلما يفعل نظام الولي الفقيه اليوم تمكن صدام من شراء دول كبرى وصغرى عديدة في العالم، بحكامها وأحزابها وقضائها وكبار قادة أجهزة إعلامها، وجعل أعزتها أذلة أمام ملايينه وملياراته يخدمونه ويحمونه من أي عقاب، ويرضخون لسياساته وقراراته، ظالما أو مظلوما، ويُمدونه بكل ما يريد. ولكنه في النهاية، بعناده وغروره، وبجهله بحقائق التاريخ والجغرافيا، لم يقم فقط، برمي نفسه وأسرته ونظامه تحت أقدام عدويْه اللدودين، الأميركي والإيراني، بل رمى بقادة نظامه وحزبه، وبشعبه كله، في التهلكة لعشرات عديدة من السنين.

وها هم حكماء طهران ومحنَّكوه المعممون يجعلون التاريخ يعيد نفسه. فهم اليوم كصدام حسين، تماما ودون أي اختلاف. فقد تكبروا وتجبروا وآمنوا بأن في مقدورهم ليَّ عنق الزمان، وتغيير مسيرة التاريخ، وصياغة المستقبل ليس لشعبهم وحده بل لشعوب المنطقة والعالم كذلك.

لقد غرهم أنهم تمكنوا، أخيرا، وبعد عجزِ سنين، من فرض هيمنتهم على العراق، ومنه انتقلوا إلى سوريا، ومنها إلى لبنان، ثم إلى اليمن، وإلى دول عربية أخرى وضعوها على قائمة مستعمراتهم القادمة.

وكما توهم صدام توهموا، مثله، بأنهم إن امتلكوا الصواريخ والمفاعلات النووية والبوارج الحربية ومليارات النفط والمخابرات والميليشيات سوف يجعلون جمهوريتهم الإسلامية دولة عظمى، ويصبح في إمكانهم إملاءُ إرادتهم على الآخرين، كبارا وصغارا، ولن يجرؤ على معارضة تدخلاتهم واحتلالاتهم وتحدياتهم وتحرشاتهم أحد. ثم حانت ساعة الحساب العسير.

فمن استمع إلى الخطاب الناري الحامي الشديد الذي ألقاه وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو لا بد أن يتذكر جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش الأب، الذي قال لطارق عزيز وزير خارجية صدام “إننا سنعيد عراقكم إلى أيام القرن الحجري إن لم تنصاعوا بالتي هي أحسن، وتخرجوا من الكويت بسرعة، ودون جدال”.

وتتذكرون ما حدث بعد ذلك حين ظن صدام حسين أن دبابات الحرس الجمهوري وبنادق فدائيي صدام ستعصمه من قنابل العم سام. وتعرفون ما جرى لخيرة ضباط العراق وجنوده، وما أصاب مدنه وجسوره ومدارسه ومطاراته وموانئه، وما تجرعه العراقيون بعد مجزرة تحرير الكويت من بلاوي الحصار، إلى أن حانت الساعة فتم غزو العراق وتم تقديمه هدية لإيران ووكلائها العراقيين، وخصوصا منهم قادة الأحزاب الشيعية والحزبين الكرديين. وتعرفون باقي الحكاية من طقطق لسلام عليكم.

إن الذي طلبه مايك بومبيو من نظام الولي الفقيه شيءٌ واحد لا ثانيَ له، هو الانتحار. فسواءٌ عاند النظام الإيراني أو رضخ، فهو في الحالتين ذاهب إلى أسفل سافلين.

فالمطالبة بوقف محاولات تطوير سلاح نووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية بدخول كل المواقع النووية، ووقف إنتاج أي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، والكشف عن جهودها السابقة لبناء سلاح نووي، إنما هي أعذار لتبرير الحرب المقبلة على النظام. وقد يستطيع النظام تلبيتها تفاديا لحرب مع أميركا هو ليس قادرا على تحمُّل أثمانها الباهظة.

ولكنه لن يتمكن من تلبية المطالب الأخرى الأهم والأخطر والخاصة بوقف دعم الإرهاب وحماس وحزب الله والجهاد الإسلامي، ووقف دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة، والحوثيين، وسحب قواته من سوريا، ووقف دعم طالبان وجماعات إرهابية في أفغانستان، ووقف استضافة قيادات القاعدة، ووقف تهديد دول جوارها. لأن تلبيتها، بلا تلاعب ولا مخاتلة، يعني أنه يوافق على خلع جميع أسنانه، ونزع جميع أظافره، ليصبح بعد ذلك، في إمكان معارضة الداخل والخارج إسقاطه في أسابيع، ثم يُجرُّ كبار قادته العسكريين والمدنيين إلى المشنقة التي ختمت حياة عدوهم الراحل صدام حسين.

إن في إمكاننا اليوم أن نهنئ العراقي والسوري واللبناني واليمني والبحريني، وكل مواطن ذاق مرارة إسلام الخميني المسلح بالمفخخات والصواريخ والغاز السام، ونقول له: أبشر فإن الفرج أصبح أقرب من قريب.