حدّدت إيران، أمس، على لسان أعلى سلطة في البلاد، المرشد الأعلى علي خامنئي، استراتيجية مقابلة للتعامل مع تهديدات الولايات المتحدة، من جهة، ومع أوروبا، كطرف يواصل التفاوض للحفاظ على الاتفاق النووي، من جهة ثانية. وأرسى خامنئي، في خطاب أمام كبار المسؤولين، خريطة طريق تولّف بين الدبلوماسية وعدم المرونة مع الأميركيين، من شأنها أن تشكّل برنامج عمل للحكومة في المرحلة المقبلة.
 

خريطة طريق وضعها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي لمرحلة ما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، في موازاة إعلان الإدارة الأميركية استراتيجية جديدة ضد طهران. جملة المبادئ التي حددها الزعيم الإيراني ستكون موجّهة بصورة رئيسية إلى حكومة الرئيس حسن روحاني والفريق الدبلوماسي المنكب هذه الأيام على صياغة اتفاقات مع الأوروبيين تضمن مصالح البلاد ما بعد الانقلاب الأميركي على الاتفاق. وإن بدا خامنئي متساهلاً تجاه الاستمرار في التفاوض مع الأوروبيين، إلا أن الشروط التي وضعها تشي باستشعار الحذر من قدرة الأوروبيين على تقديم الضمانات بوجه العرقلة الأميركية من خلال العقوبات. وذلك في الوقت الذي قلل فيه خامنئي من تهديدات إدارة دونالد ترامب، واستراتيجيته الجديدة ضد الجمهورية الإسلامية، التي أكد أن مصيرها سيكون مصير مشاريع أسلاف ترامب.
ووضع المرشد الإيراني، أمس، شروطاً لمواصلة إيران الاتفاق النووي مع أوروبا. وفي لقاء جمعه أمس بكبار مسؤولي الدولة، قال إن على الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أن يثبتوا أنهم «لن يكونوا غير أمناء وناقضي عهود، في العامين الماضيين نقضت أميركا الاتفاق النووي مراراً والتزم الأوروبيون الصمت، يجب على أوروبا التعويض عن صمتها»، مشككاً بالأوروبيين الذي «نكثوا بتعهداتهم قبل نحو 14 عاماً في المفاوضات النووية التي أجريت عامي 2004 و2005»، مضيفاً: «ليست لدينا مشكلة مع الدول الأوروبية الثلاث، لكن ليست لدينا ثقة بها، وذلك بسبب ماضيهم».
واشترط ضمان أوروبا مبيعات النفط الإيراني «بشكل كامل، بحيث إذا أراد الأميركيون توجيه ضربة إلى مبيعات النفط الإيراني، ينبغي أن نتمكن من بيع كميات النفط التي نريدها، ويجب على الأوروبيين التعويض بشكل مضمون وشراء النفط الإيراني». كذلك شدّد على وجوب ضمان المصارف الأوروبية «المعاملات التجارية مع الجمهورية الإسلامية». وطالب الأوروبيين بمواجهة الحظر الأميركي ضد طهران والتصدي له «بكل صراحة»، وإصدار قرار يدين نقض أميركا قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أقر رفع العقوبات عن إيران.
وتطرق الزعيم الإيراني إلى الحديث حول الملفات الخلافية الأخرى مع إيران، مطالباً الأوروبيين بعدم طرح «قضية البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي»، في موقف يقطع الطريق أمام محاولات الأوروبيين التوفيق بين شروط الرئيس الأميركي والحفاظ على المصالح الأوروبية في الاتفاق النووي. إذ لطالما كرر المسؤولون الأوروبيون في الأسابيع الماضية تأييدهم لإجراءات ضد طهران في ملفي الدور الإقليمي والصواريخ.
وختم خامنئي سلة الشروط هذه بالتهديد بأنه في حال «تقاعس الأوروبيون في الاستجابة لمطالبنا، فإيران تحتفظ بحق استئناف الأنشطة النووية، وعندما نرى أن الاتفاق النووي عديم الفائدة، فإحدى الطرق هو العودة لاستئناف الأنشطة المعطلة».
ورأى خامنئي أن إيران استفادت من التجارب السابقة بأن «لا يمكنها التعامل مع أميركا» لأنها «لا تلتزم بتعهداتها، وهذه ليست مختصة بالحكومة الأميركية الحالية وترامب، فالحكومة الأميركية السابقة تحادثت معنا ونقضت الاتفاق بشكل آخر، فهم قد وجهوا التهديدات وكذلك لم يفوا بتعهداتهم، وهذا جواب الذين قالوا مراراً لماذا لا تتفاوض إيران مع أميركا».
وتطرق المرشد الإيراني إلى التهديدات الأميركية الجديدة، مؤكداً أن «الرئيس الأميركي الحالي (دونالد ترامب) لن يكون مصيره أفضل من أسلافه من أمثال (جورج) بوش والمحافظين الجدد و(رونالد) ريغن، وسيختفي في طيات التاريخ». وأضاف: «لا تساورنا أي شكوك في هزيمة العدو»، مشبهاً جولة أميركا الجديدة ضد بلاده بقصص «توم وجيري»، حيث القط «سيهزم مرة أخرى».
واعتبر خامنئي أن التجارب التي مرت بها بلاده، في إشارة إلى انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، أكدت «عمق العداء الأميركي لإيران، فعداوة أميركا لا تتمحور حول قضية مثل القضية النووية، بل هي أوسع من ذلك، فنظامنا ناهض ولا يأبه لأميركا» ولذلك «فأميركا تعارض بشدة مثل هذا النظام، وتريد القضاء على مقومات القدرة فيه». وتابع: «الممارسات الأميركية كانت تستهدف تقويض نظام الجمهورية الإسلامية... جميع هذه المؤامرات باءت بالفشل»، مضيفاً: «في الوقت الحاضر تمضي (إيران) قدماً إلى الأمام بامتلاكها إمكانيات متنوعة». وحذر خامنئي المسؤولين في الدولة بأن «المرونة أمام هذا العدو لن تبطئ نصله، لكنها ستجعله أكثر وقاحة».