التغيير ذاته مرفوض من قبل أكثرية وازنة من اللبنانيين الخائفين من أن أي تبدل في الوضع القائم سيكون نحو الأسوأ وأن المستقبل كالح السواد أمامهم
 

بعد مرور قطوع الانتخابات اللبنانية وبعد مؤتمرات المانحين التي شارك فيها المسؤولون الحكوميون، يطرح السؤال عن لبنان أو عن وظيفته الاقتصادية والسياسية في المنطقة، سؤال يبرره اعتقاد راسخ أن الانتخابات اسفرت عن مجلس نيابي جديد وتحالفات جديدة، وترافقت تلك النتائج مع ارتفاع نسبة التوتر في المنطقة .الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة وشكل المرحلة المقبلة، والنتيجة التي ستؤول اليها الامور على مستوى تشكيل الحكومة، في ظل تأثر لبنان بالمعطيات الخارجية على المستوى الاقليمي، وأن السؤال البديهي في ظل هذه الظروف بالغة الحساسية، هو هل فكرة التغيير في لبنان ممكنة؟!
لكن قبل الاجابة على هذا السؤال أعود بالذاكرة الى سنة 2008 عندما عقدت قوى 14 اذار مؤتمرها في البيال حيث وقف يومها المرحوم سمير فرنجية قائلاً وباصرار على ان الخلاف مع "حزب الله" هو من طبيعة ثقافية وليس من طبيعة سياسية، واليوم بعد مرور عشر سنوات على ذلك التاريخ واذا ما نظرنا الى الواقع السياسي ليس في لبنان فحسب انما على مستوى المنطقة بشكل عام، سنجد أن المنطقة معلقة بين الحرب والسلم، اميركا تنسحب من الاتفاق النووي، وإيران ترفض المساس بحرف واحد من بنود الاتفاق وعلى مستوى الصراع العربي الاسرائيلي هناك سياسة المعايير المزدوجة، في ظل عجز عربي عن امكانية ثني الولايات المتحدة الامريكية عن مواقفها في هذا الشأن، وفي لبنان نحن على مشارف مرحلة جديدة من الكباش السياسي بالنظر الى نتائج الانتخابات الاخيرة، وهنا نعود الى طبيعة السؤال عن فكرة التغيير في لبنان هل هي ممكنة؟ ومن هنا ننطلق بدايةً من قانون الانتخاب.

إقرأ أيضًا: ما هو شكل الحكومة اللبنانية الجديدة؟
فالقانون الانتخابي الجديد على الرغم من إدخال النسبية عليه إلا انه لن يحمل التغيير ليس بسبب تعقيداته وطغيان المرشحين من أصحاب الملايين مشبوهة المصدر على قائمة الراغبين في دخول الندوة البرلمانية فحسب، بل لأن التغيير ذاته مرفوض من قبل أكثرية وازنة من اللبنانيين الخائفين من أن أي تبدل في الوضع القائم سيكون نحو الأسوأ وأن المستقبل كالح السواد أمامهم ومن الأفضل الاحتفاظ بمن يعرفونهم من ممثلين ونواب، على الإتيان بآخرين غير مجربين.
فكرة التغيير المعروضة لا طلبَ عليها على رغم حمل الشعارات الانتخابية على الكثير من الترداد الببغائي لهذه الكلمة، ما يجري على مستوى الكتل الطائفية الكبيرة هو تعميق الخنادق استعداداً لأيام سوداء قد تشهدها المنطقة، وتباشيره كانت واضحة للعيان من خلال استعراضات الدراجات النارية في أزقة وشوارع بيروت، ومع غياب الكتلة الحرجة العابرة للطوائف والتي من المفترض ان تكون هي الرافعة الحقيقية "للمجتمع المدني"، الانهيار الذي بدأ في مرحلة سابقة لتحالف قوى الرابع عشر من آذار والذي لم يحصل تلافيه إصرار الفريق الاخر أي الثامن من آذار وإن بشكل مقنع للمساس" باتفاق الطائف" بغض النظر عن المشروع (أو غياب المشروع) الذي يحمل لأسباب تتعلق بحسابات المواجهات الإقليمية والدولية.
والغرب الذي يطالب لبنان أن يبقى محتضنا لحوالى مليون لاجئ سوري وأن يمنع تدفقهم إلى أوروبا وتكرار موجة الهجرة الكبيرة من تركيا في 2014 و2015، لذلك تساهم المؤسسات المالية الدولية والحكومات الأوروبية والأميركية بتغطية الإدارة الكارثية للمالية العامة اللبنانية خشية سقوط الدولة وانتشار الفوضى وتوجه اللاجئين إلى الزوارق من جديد، وتعرف كل الجهات المانحة مدى نفاق المطالبين بتمويل العجز والفساد والهدر في الدولة اللبنانية لكنها لا تجد بديلاً عن الدفع ومدى قصورهم عن الإتيان بأي إصلاح حقيقي ولو في مسائل تقع في صلب مسؤوليات الدولة، على غرار وقف التهرب الضريبي، المفارقة أن بعضاً من أكبر المستفيدين من القروض والتمويل الأجنبيين هم من أكثر المحرضين العنصريين على اللاجئين السوريين.

إقرأ أيضًا: نحو خلق بديل مدني
أما بالنسبة لما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة وعلى رأسه "إيران" فيرى في لبنان خط الدفاع الأول عن التسوية الكبرى الممتدة من تغيير الديموغرافيا السورية إلى المشروع النووي الإيراني، بما يتلاءم مع مصالحها هناك، وعلى لبنان أن يمتص «فائض» السكان غير الضروريين في هذا التبديل، أولاً ويشارك في ردع إسرائيل عن توجيه ضربة قاسية إلى منشآت المشروع النووي الإيراني في حال تطورت الامور سلباً بين الولايات المتحدة وإيران وفي حال تصاعدت لعبة توجيه الرسائل الإسرائيلية الإيرانية في سورية وانقلبت حرباً واسعة النطاق.
في هذه المرحلة ينتظر السياسيون والمواطنون اللبنانيون تطورات الوضع الدولي والاقليمي وإلى ما ستؤول اليه الامور، بالرغم من تعفن الوضع العام في البلاد وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، وخروجها من دائرة الاهتمام الدولي ما خلا الوظائف المطلوب منها أداءها، والفشل المزمن للمجموعة السياسية الحاكمة ليس عن علاج الوضع القائم فحسب، ولكن عن تقديم أي تنازل يخفف حدة التوتر العام في البلاد ما دامت هي راعية التصعيد في الخطاب الطائفي المتشنج والمستفيدة من وضع لبنان على شفير الهاوية ومع غياب الدور الفاعل والحاسم للقوى التي تدّعي انها الإطار الشرعي "للمجتمع المدني" معتقدة أنها تستطيع التدخل لإنقاذه عندها تصبح فكرة التغيير في لبنان غير ممكنة في الوقت الراهن و مؤجلة حتى إشعار آخر.