تُطرح علاماتُ استفهامٍ حول المواقف التي يتّخذها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي واللهجة العالية النبرة التي يتوجّه فيها الى المسؤولين السياسيين.
 

لا شكّ أنّ عظات الراعي وتركيزه على الوضع الإقتصادي والمعيشي والإدارة السياسية «الفاشلة» للبلد تركت تردّداتها في الانتخابات النيابية الأخيرة، حتى ذهب البعض الى تصنيفه في خانة المعارضة للعهد والسلطة.


ومن جهة ثانية، فإنّ علاقة الراعي برئيس الجمهورية العماد ميشال عون جيدة، ولم يتعمّد ولو لمرّة واحدة مهاجمة بعبدا، بل يحاور عون دائماً في الموضوعات والملفات المهمّة والتي ترهق كاهل المواطنين.


ترفض بكركي تصنيف الراعي في خانة الموالاة والمعارضة، وتقول لـ»الجمهورية»: بطريرك الموارنة ليس طرفاً سياسياً، ولا يخوض معركة سلطة، بل هدفه تصويب البوصلة وتصحيح مسار الحكم».


وبالنسبة لبكركي، فإنّ إدارة الحكم وصلت الى حدّ غير مقبول وسط تفشّي الفساد والهدر والسمسرات والسرقات، لذلك فإنّ الراعي «لا يغنّج» أحداً من المسؤولين ويقول الحقيقة كما هي ويصرخ من أجل الإضاءة على الأخطاء والحديث بما ينطق به الناس، لأنّ استمرارَ السكوت عن الخطأ خطيئة أكبر.


وتؤكّد بكركي أنّ موقع رئاسة الجمهورية مُصان وهو خطٌّ أحمر وللجميع وليس للموارنة فقط، وعلاقة الراعي مع عون ممتازة، لكنّ هذا الأمرَ معزولٌ عن أداء السلطات السياسية والإدارية الحاكمة، والتي يجب أن يطالها الإصلاح.


ومن جهة ثانية يستعدّ البطريرك الراعي للسفر الى فرنسا الأسبوع المقبل للقاء الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، وهذا اللقاء هو الأول من نوعه بعد انتخاب الأخير رئيساً لفرنسا.


أما عن سبب تأخير اللقاء، فتشدّد بكركي على أنّ البطريرك فضّل أولاً حصولَ لقاء عون بماكرون لأنّ بطريرك الموارنة لا يلتقي رئيس جمهورية فرنسا المنتخب قبل رئيس جمهورية لبنان، من ثمّ أتت الأزماتُ السياسية ومن ضمنها أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني الماضي وما تبعها من تداعيات، حيث لعبت فرنسا دوراً بارزاً في تلك الأزمة. أما الآن فإنّ الموعد قد تقرّر وهو الأسبوع المقبل في الإليزيه.


وعلمت «الجمهورية» أنّ الراعي سيحمل ملفاً كاملاً متكاملاً سيناقشه مع ماكرون لأنّ اللقاءَ سيكون مطوّلاً، وهو إجتماعُ عمل.


أما أبرز النقاط التي سيحملها الراعي للمناقشة فهي:


أولاً: الوضع السياسي اللبناني والأزمات التي قد تستجدّ خصوصاً أنّ باريس تلعب أدوارَ وساطة في لبنان.


ثانياً: الوضع الإقتصادي اللبناني، وهذا الأمر سيكون مادة نقاش دسمة بعدما نظّمت باريس مؤتمر سيدر 1 وطالبت بإصلاحات.


ثالثاً: أزمة النزوح، حيث سيثير الراعي هذا الملف بقوّة ويطلب مساعدة فرنسا في حلّه، لأنّ لها دوراً عالميّاً، واستمرار النزوح سيؤدّي الى إنهيار البلد وضرب بنيته الديموغرافية والإقتصادية وحتى السياسية، وإنهيار لبنان ستكون له تداعيات قوية على أوروبا.


رابعاً: ملفّ مسيحيّي لبنان والشرق، حيث يعتبر الموارنة أنّ فرنسا هي «الأم الحنون» والتي ساعدت المسيحيين سابقاً، لكنّ الحروب ساهمت في تهجير مسيحيّي الشرق، وبات الشرق فارغاً منهم، وعلى باريس أن تلعب دورها.


خامساً: تحييد لبنان عن نزاعات المنطقة، وهذا الأمر سعت فيه باريس سابقاً بالتعاون مع الفاتيكان ونجحت، وبات لبنان يتمتع بغطاءٍ دوليّ جعله محيّداً عن أزمات المنطقة وحروبها، وستطلب بكركي إستمرارَ هذا الغطاء خصوصاً بعد خروج واشنطن من الاتّفاق النووي وما قد يؤثر على لبنان.


وستُثار نقاطٌ عدّة في اللقاء مع ماكرون، ولعلّ أبرزَها أيضاً مسألة إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، فيما المطالبة اللبنانية والعربية بأن تكون مدينة مدوّلة للجميع وليست ملكَ أحد، خصوصاً أنها مهدُ الأديان السماوية الثلاثة.


تكتسب زيارة الراعي أهمية خاصة، وسط ما يتردّد عن عتب فرنسي على الموارنة بأنهم يتخلّون شيئاً فشيئاً عن الفرنكوفونية ويتّجهون في مدارسهم وجامعاتهم الى الإنكليزية، لذلك سيكون ملفّ الفرنكوفونية حاضراً بقوة في لقاء ماكرون- الراعي، حيث سيؤكّد بطريرك الموارنة تمسّكه بالعلاقات التاريخية مع فرنسا والتي هي خارج المصالح الضيقة، وهذا الأمر يدركه ماكرون جيداً مثل رؤساء فرنسا الذين مرّوا وحافظوا على أطيب العلاقات مع البطريركية المارونية.