كان بعد ناقصها الدولة اللبنانية نادين لبكي وأمثالها من السينمائيّين والفنّانين والمبدعين يتكرّموا على أهمّ المسارح العالمية من أجل فيلم... يا حبيبتي الدولة مش فاضية لهذه الخزعبلات، والمسؤولون اللبنانيون لديهم ما يكفي من الإنجازات المحلّية والدولية التي تقزّم إنجازاتِ نادين أو أيِّ شخصٍ آخر.

نحن دولتنا لا تحبّ الأفلام، تحبّ الصوَر، ليس الصوَر المتحرّكة، الصوَر الثابتة والملزوقة على حائط عام، تحت جسر مشاة، داخل نفق وعلى جذع شجرة... لا تحبّ الأفلام لأنها بالعادة تفضح، تعرّي، وتسلّط الضوءَ حيث تعشّش العتمة، تحبّ الصوَر الملتقطة في مهرجانات الشحادة العالمية وعلى أكتاف المناصرين الضحايا.

وبعدين، لدينا حالياً ما يكفي من الوزراء والسفراء الذين يتكرّمون على إنجازاتهم في كلّ المحافل الدولية، وتكريم مهرجان «كان» لن يضيفَ شيئاً إلى البورتفوليو الرسمي.

بالعادة، نفضّل شراء الملابس الجديدة والثمينة من باريس وميلانو ونيويورك، ولا نحبّ مَن ينشر غسيلنا الوسخ على أهمّ المنابر العالمية، لأنّ المهمّ هو أزياء زوجة المسؤول ومجوهراتها وسياراته، وليس المشكلات الداخلية في بلادهم. وفيلم «كفرناحوم» الذي نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي، عبارة عن منشر غسيل فنّي اجتماعي لن تروق أحداثُه وتفاصيلُه لمَن يسهرون على زيادة التعتير بلّة.

الفيلم الذي وقف له المجتمعُ الغربي بمفكّريه وفنّانيه ومبدعيه لأكثر من 15 دقيقة تصفيقاً وتهليلاً، يعالج قضايا الحدود، وقضايا الأوراق الثبوتية التي لا يمكن للإنسان أن يكون موجوداً بدونها، ولا ينسى قضية النازحين واستغلال الأطفال والعبودية الحديثة والقضاء، وكلّها أمور يعاني منها الناس بصمت في بلد يغرّد فيه المسؤول بينما يصطاد الناس.

بعد «كاراميل» و»وهلأ لوين»، اجتاحت نادين لبكي مهرجان «كان» بفيلمها الثالث «كفرناحوم»، الذي يروي قصة اللاجئ السوري زين، الذي يبلغ من العمر 13 سنة ويعمل في مدينة بيروت، ويهرب من منزل أهله بعدما اضطر والدُه ووالدتُه إلى تزويج أخته التي لا يتعدّى عمرها 11 سنة مقابل بضع دجاجات. ومن ثم يجرجر زين أهله إلى المحاكم بعد أن رفع عليهم قضية إنجابه في هذا العالم القاسي وغير الرحوم.

هذا الفيلم لبكة، ومن المؤكّد أنّ كثيرين من الذين يتاجرون بقضايا اللاجئين السوريين ويمتهنون تفقير الشعب اللبناني لن يروق لهم فيلم «كفرناحوم»، لأنه جاء مَن يلطّخ صورة الحياة الزهرية التي يحاولون تسويقها ببزاتهم الرسمية.

هذا الفيلم لبكة لأنه يسبّب الغيرة، وسيطالب الوزراء بتكريمهم أيضاً على الأفلام التي «يبلفون» الناس بها طوال مدة ولايتهم، ولن يرضوا بجائزة واحدة وإنما ليس أقل من جائزة أفضل قصّة، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو وحوار، وأفضل ممثل بالدور الأول... ولا تعني لهم الـ15 دقيقة تصفيق شيئاً، لأنهم حتماً سيجدون مَن يصفّق لهم 4 سنوات أو أكثر.

هذا الفيلم لبكة لأنه سيذكّر صنّاعَ الدراما والسينما في لبنان أنّ مشكلات الناس يمكن أن تنال الجوائز في المهرجانات العالمية، وستؤكّد لهم أنّ الرخامَ الأبيض والقصورَ والسيارات الفخمة لا يصل تأثيرُها إلى أبعد من عتبة الصالون.

نادين لبكي أنتِ أكيد أصبحتِ لبكة بالنسبة إلى كثير من السياسيين وحتى الفنانين والسينمائيين، لكن تأكّدي أننا ندين للبكتك.