لم يتفاجأ «حزب الله» بالرزمة الجديدة من العقوبات الاميركية والخليجية التي شملت صفّه القيادي الاول، المتمثّل بأمينه العام السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم وعدد من أعضاء مجلس الشورى المعنيّ بصنع القرار.
 

وعندما تبلّغ أحد القياديين المعنيين بالعقوبات نبأ تجميد أصوله و»تجفيف» ينابيعه المالية، لم يستطع أن يتمالك نفسه وأصابته نوبة من الضحك. كأنّ الامر بالنسبة اليه أقرب ما يكون الى نكتة، وهو الذي لا يملك أي حساب مصرفي في لبنان أو خارجه، شأنه شأن الآخرين.

يدرك «حزب الله» انّ «صلية» العقوبات الاخيرة لن تترك أي تداعيات عملية على مفاصل جسمه المتمدد، وانها مجرد «مفرقعات» او قنابل صوتية تهدف الى زيادة الضغط المعنوي عليه، وربما ايضاً على حلفائه وأصدقائه. وإذا كانت هناك من مفاعيل متوقعة، فهي ستتخذ مساراً عكسياً ومضاداً، بمعنى انّ الحزب سيزداد إصراراً على الانخراط في تفاصيل الوضع الداخلي، وسيصبح اكثر تشدداً في مطالبه الوزارية عندما تبدأ مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.

صحيح انّ الحرب النفسية والمالية ضد «حزب الله» مستمرة منذ سنوات طويلة بأشكال مختلفة ولأسباب عدة، لكنّ نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة ساهمت على ما يبدو في تسريع إيقاع الفصل الاخير من تلك «الحرب الناعمة» التي لا يرى فيها الحزب سوى بديل من عجز أعدائه حتى إشعار آخر عن شَنّ عدوان عسكري مباشر عليه، وهو عجز يحاول أصحابه مُداراته والتغطية عليه من خلال «الأوراق الاحتياطية» التي تراوح بين الاتهامات والعقوبات والحصار والمحكمة الدولية.

يعتقد الحزب انّ قوى المحور المضاد لم تهضم الانتصار النوعي الذي حققه في الانتخابات، سواء على مستوى الاحتضان الواسع له من البيئة الشيعية او على مستوى تشكّل أكثرية نيابية متحالفة معه، بحيث غدت التوازنات الجديدة في المجلس النيابي خط دفاع متقدّم عنه، بدلاً من ان تكون عنصراً اضافياً من عناصر محاصرته وتضييق الخناق عليه، كما كانت تأمل الجهات الاقليمية والدولية التي تدخلت في العملية الانتخابية سعياً الى مناصرة حلفائها والانقضاض على المقاومة من الداخل، وفق الاستنتاجات السائدة في أروقة الحزب.

امّا وانّ «حزب الله» خرج منتصراً من معركة صناديق الاقتراع واتّسَع نفوذه في المجلس النيابي بالوسائل الدستورية والشرعية، فإنّ قيادته تتوقع التعرّض لمزيد من الضغوط الانتقامية في المرحلة المقبلة، وتحتسب للأسوأ على هذا الصعيد.

وتتوقف اوساط قريبة من الحزب في هذا السياق عند ظهور مؤشّرات مؤخراً الى إعادة تفعيل ورقة المحكمة الدولية من خلال الكلام عن توافر أدلة جديدة واحتمال توجيه الاتهام الى شخصيات قيادية بارزة، كأنّ أحد أهداف العقوبات الاميركية والخليجية تهيئة الارضية أمام مثل هذا السيناريو.

وتؤكد الاوساط انّ الحزب سيتمسّك اكثر من اي وقت مضى بحضور وازن في الحكومة المقبلة، لتحسين موقعه في معركة مكافحة الفساد ولتعزيز قدرته على حماية المقاومة من قلب مؤسسات الدولة في مواجهة الهجمة الخارجية المتدحرجة.

وإذا كان قرار «حزب الله» بتنشيط دوره في الداخل متّخذاً سابقاً ربطا بحاجات جمهوره وبما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والمالية، فإنّ العقوبات الاخيرة ستساهم في تشبّثه بهذا القرار المفصلي الذي ينطوي على وظيفة حيوية أُخرى ايضاً وهي تحصين جبهة المواجهة مع الفريق الاقليمي والدولي المعادي.

والأرجح، انّ خصوم الحزب في لبنان لن يتمكنوا من التماهي كلياً مع التصعيد الخارجي المستمر، كونه يفوق طاقتهم على محاكاة سقفه المرتفع، وإن كانوا سيحاولون قدر الإمكان استثماره لتحسين شروط التفاوض مع الحزب ودفعه الى تقديم تنازلات، تحت شعار تجنّب الاصطدام بالمحيط العربي والمجتمع الدولي.

وهناك من يعتبر انّ ما يزيد مهمة الخصوم في الداخل والخارج صعوبة وحراجة هو انّ «حزب الله» ربح هذه الجولة باللعب النظيف، وفق الاصول الدستورية والقواعد الديموقراطية، وذلك من خلال فوزه العريض مع حلفائه في الانتخابات النيابية، بحيث لا يوجد مبرّر لرفض الجلوس معه في الحكومة او لتجاهل حقه في تمثيل وزاري مناسب، خصوصاً انّ شركاءه الاضطراريين في السلطة يعلمون انّ اي محاولة للانقلاب على الشراكة قد تؤدي الى خسارتهم كل شيء في نهاية المطاف.

لقد أدرك «حزب الله» منذ البداية أهمية الانتخابات الاخيرة لجهة وظيفتها العابرة للحدود وتعزيز مناعته إزاء الضغوط الخارجية، اضافة الى تأثيرها على أجندته المحلية، وهذا ما يفسّر حرص نصرالله شخصياً على إدارة معاركها، وتكرار الاطلالات لتعبئة الناخبين، كأنه كان يستشرف ما ينتظر الحزب بعد الانتخابات.