يصادف 14 مايو 2018 الذكرى السنوية السبعين لإعلان إسرائيل الاستقلال، وهو أيضًا تاريخ النكبة ("الكارثة") التي شهدت نزوح حوالي 700000 عربي فلسطيني من الأراضي الإسرائيلية. إنّه النجاح الاستثنائي الأول في بناء الدولة الإسرائيلية منذ الوعد بوطن يهودي - الذي أصدرته بريطانيا خلال الحرب العظمى (بدون سلطة أخلاقية أو قانونية) -والّذي يقاس بثمن باهظ يدفعه نحو 5 ملايين عربي فلسطيني يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي أو محاصرون في غزة.
لقد فشلت خطة 1947 المفصلة التي ترعاها الأمم المتحدة لإقامة دولة يهودية جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية.
وعلى الرغم من المصادقة الدولية المتكررة "بحل الدولتين" بعد فوز إسرائيل المثير في حرب 1967 والتي دامت ستة أيام، يمكننا الآن أن نستنتج بثقة أن مفهوم الدولتين لن يتحقق. علاوة على ذلك، مع إعادة التحالفات الأخيرة للسلطة في الشرق الأوسط مع إيران الّتي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا للأراضي الإسرائيلية من موطئ قدمها في لبنان وسوريا ، وفي حين ان المملكة العربية السعودية تقترح بشكل غير متوقع تقاربًا مع إسرائيل - ربما تكون محنة الفلسطينيين قد انزلقت مع ما يرافق الوضع من قلق دولي.
صحيحٌ أن احتمالات إقامة دولة فلسطينية قد تراجعت منذ عدة سنوات، خاصة خلال فترة رئاسة الوزراء من قبل بنيامين نتنياهو ،غير إنّ ظهور إدارة ترامب وعد الرئيس ترامب في ديسمبر 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، والالتزام في 12 مايو 2018 بنقل السفارة من تل أبيب، إقتنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالامتناع عن إجراء المزيد من مفاوضات السلام التي يستضيفها الأمريكيون، لم يعد من الممكن اعتبار الولايات المتحدة "وسيطا نزيها".
وبالطبع يمكن القول إن الولايات المتحدة لم تتصنف قط كوسيط نزيه بالمعنى الدبلوماسي التقليدي كونها طرف ثالث غير مهتم. فمنذ لحظة إعلان استقلال إسرائيل في عام 1948 ، تولت الولايات المتحدة دور كبير حماة المشروع الصهيوني. وفي العقود الأخيرة ، موّلت واشنطن الدفاع الإسرائيلي بأكثر من 140 مليار دولار، ويُعتقد أنها أكبر عملية تحويل للأموال من دولة ذات سيادة إلى أخرى حيث يبلغ المستوى الحالي للمساعدات الدفاعية الأمريكية حوالي 5 مليارات دولار أمريكي سنوياً ، لكن الدعم الأمريكي يتجاوز التمويل الدفاعي. عامًا بعد عام، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن لمنع انتقاد المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، ومنذ نزوع ترامب ، تم تشجيع نتنياهو على الإعلان عن برنامج بناء جديد ضخم في كل من القدس والضفة الغربية.
لم يكن من المرجح أن يلتزم مجلس الوزراء الإسرائيلي بصيغة الدولتين، حتى لو كان مسلحو حماس في غزة قد اعترفوا بحق إسرائيل في الوجود. يظل العديد من الأعضاء الرئيسيين في ائتلاف حكومة نتنياهو معارضين بشدة لهذا المفهوم، بما في ذلك وزير الدفاع ليبرمان والزعيم نفتالي بينيت.
أما بالنسبة لحماس ، وهي سلالة جماعة الإخوان المسلمين التي يقودها السنة، فهي بالتأكيد مؤهلة كمنظمة إرهابية، وكان هدفها الأساسي منذ إنشائها في عام 1987 هو سحب قوات الاحتلال الإسرائيلية. وأعلن جناحه السياسي ، في أكثر من مناسبة ، عن استعداده للتفاوض على هدنة مقابل الاعتراف بالحدود الإقليمية لما قبل عام 1967.
 

الحلول البديلة: النظر إلى الولايات المتحدة
إذا فات الأوان الآن على المثابرة على صيغة الدولتين .إنّ البدائل الوحيدة تبدو إما دولة موحدة أو كونفدرالية لدولتين متمتعتين بالحكم الذاتي مرتبطتين اقتصاديًا. لكن الوضع الوحدوي من شأنه أن يلغي أي ادعاء بأن تكون إسرائيل دولة يهودية، لأن السكان العرب يتساوون تقريباً مع السكان اليهود، ويتوقع أن يتفوّق العرب عدديًّا بحلول عام 2020. وعلاوة على ذلك، لم تعد إسرائيل قادرة على المطالبة بأي دولة ديمقراطية إذا فشل في منح حقوق متساوية للفلسطينيين. ففخر إسرائيل بديمقراطيتها الوحيدة في الشرق الأوسط. يبدو الآن أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، متفرج لا حيلة له إلى حد ما.
في أقوال الرئيس دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنير ونائب الرئيس مايك بنس العلنية، لم يبد أحد منهم فهماً كبيراً لتاريخ النزاع العربي الإسرائيلي، كما أن واشنطن الصريحة بإعطاء الحق لليهود في القدس كعاصمة إسرائيل لم تكن مصحوبة بأي رقاقة مساومة للفلسطينيين. فيما يخص كوشنر فهو يهودي أرثوذكسي يفتقر للخبرة في السياسة الخارجية ولديه استثمارات مالية غير مستقرة في إسرائيل؛ والأهم من ذلك، أنه قد تم تخفيض تصريحه الأمني للحكومة الأمريكية من "سري للغاية". وبكل ثقة، لم يكن بنس أكثر مصداقية كمشارك في عملية السلام: فقد اعترف خلال زيارته لإسرائيل في وقت سابق من هذا العام بأن قناعاته الأصولية المسيحية وضعته في المعسكر الصهيوني المسيحي، الذي ينتظر أعضاؤه بفارغ الصبر نهاية زمن الحرب. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن 82٪ من الإنجيليين المحافظين البيض يؤمنون أن الله قد وهب كل إسرائيل التوراتية للشعب اليهودي. ولا يبدو أن هناك احتمالية كبيرة لأن تصبح الأمم المتحدة لاعباً حاسماً في حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، على الرغم من الدعم السياسي للدولة الفلسطينية من غالبية أعضاء الأمم المتحدة. ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نحيد الاحتمالات الأخرى التي تزعزع الوضع الراهن، فعلى الصعيد الأول هناك فرصة اتهام نتنياهو بتهم فساد عدة، على النحو الذي أوصى به رئيس الشرطة الإسرائيلية. امّا السيناريو الآخر المحتمل هو انتفاضة ثالثة أو انتفاضة واسعة النطاق في قطاع غزة المحاصر. وهناك احتمال آخر يتمثل في ضم إسرائيل للأراضي المحتلة. احتمالٌ رابع وربما أكثر شؤمًا هو الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل.
في الذكرى الستين لاستقلال إسرائيل قبل 10 سنوات ، قام زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في أستراليا بمديح البرلمان على الإنجاز السياسي والاقتصادي الإسرائيلي دون ذكر لمصير الفلسطينيين. فهل على الأقل سيتم الاعتراف بالنكبة؟

ترجمة وفاء العريضي
بقلم البروفيسور بيتر بويس
المصدر: المعهد الأسترالي للشؤون الدولية عن موقع ستراتفور