قواسم مشتركة عديدة جمعت بين «انتحاريا الفنادق»، الفرنسي فايز بوشران والسعودي عبد الرحمن الشنيفي، وإنْ كانا لا يعرفان بعضهما البعض مسبقاً قبل أن «يلتقيا» في زنزانة واحدة منذ ما يقارب الأربع سنوات. فهما التحقا بمعسكر تنظيم داعش الإرهابي في الرقة وتدربا على الأسلحة، قبل أن ينطلقا في مهمتهما صوب لبنان والمتمثلة بتنفيذ عمليات انتحارية تستهدف مناطق شيعية. وبالطريقة نفسها وبفارق أيام معدودة دخلا إلى لبنان عبر تركيا وتنقلا في فنادق عدة في بيروت قبل اكتشاف أمرهما، وبالتالي إلقاء القبض عليهما، الأول بوشران بفندق «نابليون» في الحمرا والثاني الشنيفي بعد خمسة أيام بفندق «دي روي»، حيث نتج عن العملية الأخيرة مقتل السعودي علي التويني الذي فجرّ نفسه بحزام ناسف.

وفي كلامهما الأول أمام المحكمة العسكرية منذ توقيفهما، أجمع الفرنسي والسعودي على الإقرار بالمهمة التي اختير الأول لها من بين 250 عنصراً التحقا بالمعسكر الداعشي، فضلاً عن جنسيته، كما الثاني، كون جنسيتيهما لا تثير الريبة لدى دخولهما إلى لبنان، كما أفادا بأنهما عدلا عن التنفيذ طوعاً.

فبوشران استخدم محرك «غوغل» ليكتشف أن العمل الانتحاري «ليس عملاً جيداً»، وكاد أن يعود إلى بلاده وعائلته، لو أُتيح له شراء تذكرة سفر من أحد المكاتب في مطار رفيق الحريري الدولي، الذي وجده مقفلاً، ليعود أدراجه إلى الفندق ويُلقى القبض عليه. أما الشنيفي، فباستطلاعه مطعم الساحة الذي كان هدفاً للعملية الانتحارية المنوي تنفيذها مع التويني، عدل بدوره بعدما شاهد أطفالاً ونساء من رواد المطعم، وعبثاً حاول مواطنه ومشغّله منذر الحسن الذي قضى بمداهمة للقوى الأمنية في طرابلس في تموز العام 2014، ثنيه عن قراره، إلى أن أتته المداهمة في الفندق.

مستعينة بمترجمة وبحضور القنصل الفرنسي في لبنان، باشرت المحكمة أمس برئاسة العميد الركن حسين عبدالله وبحضور ممثل النيابة العامة القاضي فادي عقيقي استجواب المتهمين في هذه القضية والتي تضم إلى بوشران والشنيفي تسعة متهمين بينهم خمسة مخلى سبيلهم، فضلاً عن ثمانية متهمين فارين.

«من أجل القيام بعملية انتحارية»، بادر المتهم بوشران إلى القول لدى سؤاله عن سبب مجيئه إلى لبنان في منتصف حزيران من العام 2014 آتياً من سوريا عن طريق تركيا، وكان برفقته المدعو «أبو ياسين» حيث افترقا في المطار ولم يعد يراه منذ ذلك الحين. قبل ذلك كان بوشران قد تلقى دروساً في الدين الإسلامي على يد مصطفى أبو بلقيس الذي أقنعه بالذهاب إلى سوريا وسبقه إليها. وإلى سوريا سافر بوشران عن طريق ألمانيا فتركيا للحؤول دون توقيفه. وبوصوله إلى تركيا التحق بمعسكر داعش حيث أمضى 15 يوماً في جرابلس قبل أن ينتقل مدة مماثلة إلى الرقة.

كان بوشران من عداد مجموعة الانتحاريين وعددهم 250، وهو اختير للعمل الانتحاري في لبنان بعد أن «حضرت أفلام فيديو»، وبعد أن بات «جاهزاً»، سلمه أبو بلقيس جواز سفر ومبلغاً من المال للانتقال إلى لبنان. ثم عاد ليقول إنه بقي في المعسكر 150 وغادر الباقون.

أما لماذا بالتحديد اختير لتنفيذ عملية في لبنان وليس سوريا، قال بوشران: «لأنني فرنسي ولن أثير الشك في تنقلاتي». وعندما وصل اتصل به شخص يدعى أبو ياسين إنما أبو الشهيد لم يحدد له الهدف فهو قال له فقط «للدفاع عن المسلمين في لبنان لأنهم مقموعون». ويضيف بوشران: «قال لي أيضاً إنه أراد إخراج أشخاص مسلمين من السجن وهم كثر إنما لا أعرف كيف». وأوضح أنه لم يُعلم بالهدف مخافة توقيفه وأن الشخص الذي كان سيحضر إلى لبنان هو الذي كان سيخبره بتفاصيل العملية بعد تزويده بالحزام الناسف «فكان لديهم أشخاص في لبنان يهتمون بهذا الموضوع».

وقال بوشران رداً على سؤال إنه لا يعرف المدعو أبو ياسين وإنه هو الذي اختار في البدء الفندق الذي نزل فيه إلى أن أتاه بعد أربعة أيام المدعو أبو ادريس وطلب منه الانتقال إلى فندق نابليون بعد أن نقّده مبلغ 350 دولاراً. وبالفعل انتقل وأبلغ أبو الشهيد الذي كان يتواصل معه عبر البريد الإلكتروني، فطلب منه الأخير ملازمة الفندق إلى حين حضور منذر الحسن لكن الأخير لم يحضر.

استاء بوشران من الانتظار ونفاد المال فتواصل مجدداً مع أبو الشهيد الذي أرسل له مبلغ 760 دولاراً سلمه اياه المتهم وحيد عبد الجبار في محلة البوشرية، ومن هناك توجه بوشران مباشرة إلى المطار لحجز تذكرة سفر إلى بلاده، إلا أن مكتب الحجوزات كان مقفلاً فعاد إلى الفندق حيث ألقي القبض عليه في اليوم التالي في 20 حزيران.

وأكد بوشران بسؤاله عن أنه بدّل رأيه لأن عائلته كانت بحاجة إليه ولديها مشاكل، فضلاً عن «أنني سأقتل أبرياء».

وسئل بوشران عما أفاد به أولياً بأن أبو الشهيد أعلمه بتفاصيل العملية بواسطة سيارتين مفخختين من نوع ميني باص في مكان شيعي وبأحزمة ناسفة، وبأن السنّة والشيعة لا يختلطان وأن فرنسيان آخران سينفذان أيضاً عملية انتحارية، فأجاب: «أنا قلت ذلك إنما لا أعرف من هما الفرنسيان إلا انني التقيت بثلاثة فرنسيين في الرقة عرفتهم بألقابهم وليس بأسمائهم الحقيقية».

وأضاف بوشران «لم اُدرك أنني أقوم بعمل خاطئ وما بدّل في رأيي هو تواصلي مع عائلتي وأردت أن أعود إليهم، وبحثت في محرك غوغل لأسأل ما إذا كان عملي صحيحاً، وتبين أنه ليس عملاً جيداً».

وأوضح بوشران أنه لم يخضع لأي دروس حول ما يسمى «الجهاد» فـ«لم يكن هناك متسع من الوقت». وأضاف: «فقط حضرت أفلام فيديو واقتنعت». وتحدث عن نقله أموالاً من فرنسا إلى أشخاص في سوريا بموجب جدول بالأسماء اُرسل له على الهاتف.

وهل ثمة ما تضيفه - سئل بوشران - فأجاب:«اعترف بأن ما قمت به هو خطأ إنما ثمة إثبات عن عدولي وهو كاميرات المراقبة في المطار التي تشير إلى أنني اردت العودة إلى فرنسا».

ثم استجوبت المحكمة المتهم السعودي الشنيفي الذي أفاد لدى سؤاله عن سبب مجيئه إلى سوريا ثم لبنان: «الثورة السورية والاقتتال، فضلاً عن الشحن لدى الشباب للقيام بعمل ما والجهاد كان قائماً وكان يجب أن نذهب».

في شهر آذار من العام 2014 دخل الشنيفي إلى تركيا عن طريق البحرين فتركيا، حيث مكث لحوالى 20 يوماً بمعسكر في الرقة وكان المسؤول الأمير أبو يعقوب حيث التقى هناك بمواطنه علي التويني. أما كيف تم اختيارهما للمهمة فقال: «على اعتبار أننا سعوديان وندخل إلى لبنان كسيّاح، الأمر الذي يُبعد الشكوك عنا»، وأضاف أن الأمير أبو رامي هو الذي اختارهما لتنفيذ المهمة وقد يكون «اختارني أنا كوني كنت كثير الحركة في العسكر». وتابع يقول: «لم نعلم أين سنذهب إنما نُقلنا إلى منطقة أخرى في الرقة حيث تسلمنا الجوازات والمال». وهل علمتما بالهدف قال: «ضد حزب الله لأنه دخل سوريا ودعم النظام على حد قولهم».

وإلى اسطنبول «طار» السعوديان ومنها إلى لبنان، حيث استقل كل منهما طائرة فوصل الشنيفي أولاً وقصد فندقاً في الحمرا ثم تواصل مع علي عبر السكايب حيث أعلمه الأخير باسم الفندق الذي ينزل فيه، وفي اليوم التالي التقيا بشقة في الحمرا كان منذر الحسن قد استأجرها بألفي دولار. واجتمع الثلاثة في تلك الشقة حيث شاهد الشنيفي حينها حزامان ناسفان، وأبلغهما الحسن انه مسؤول عنهما وراح يتواصل معهما عبر السكايب.

ويضيف الشنيفي أن الحسن اصطحبهما إلى مطعم الساحة ولم يكن هو يعلم أنه الهدف إلا بوصولهم حيث شاهد الشنيفي نساء وأطفالاً فرفض تنفيذ العملية على اعتبار أن هؤلاء الرواد لا علاقة لهم بحزب الله، فأبلغه حينها الحسن «هذه هي التعليمات».

بعد ذلك أبلغهما الحسن بأنه سيعود إلى لقائهما لكن الشنيفي أصر على رفضه، وأعلمه التويني بالانتقال الى فندق دي روي في اليوم التالي حيث تولى الأخير نقل الأحزمة والأغراض إلى الفندق المذكور بعد حجز غرفة فيه. «بقينا في الفندق 12 يوماً وكان حينها الحسن يزورنا»، قال الشنيفي، الذي أضاف أنه في 25 حزيران داهمت الغرفة قوة من الأمن العام، وكان قبل ذلك بساعتين أعلمنا الحسن أن شخصا أوقف وطلب منهما أن «ندبّر حالنا»، فأبلغه حينها التويني أنه سيرتدي الحزام ويغادر ربما إلى مطعم الساحة، وحينها طرق أحدهم على الباب حيث شاهد الشنيفي أمامه ضابطاً في الأمن العام فسارع حينها التويني بعدما دفع الشنيفي إلى الحزام الموجود على أرض الغرفة وسحب الصاعق حيث دوى الانفجار فشاهد حينها صديقه يتحرك قبل أن يموت فيما هو أصيب بحروق تمت معالجته منها أثناء فترة توقيفه. وقال الشنيفي: «لو اردت تفجير الحزام الآخر لفعلت بوجه رجال الأمن العام»، وأضاف أنه لم يعد إلى بلاده بعد قرار عدوله عن تنفيذ العملية لأنه لم يكن يملك المال ولا جواز سفره فضلاً عن أن حزب الله كان مسيطراً وقد يتعرض للتوقيف على يد عناصره.

أما عن بوشران فقال المتهم بأنه لا يعرفه إنما كانوا يعلمون أن هناك أشخاصاً سيفجّرون «لا نعرفهم»، نافياً أن يكون المدعو أبو خالد قد طلب منه إعطاء بوشران مبلغ ألف دولار.

وعما إذا تم تدريبه على استخدام الحزام الناسف، اعتبر الشنيفي أن هذا الامر سهل فهو كالجاكيت «هيك بتلبسو وهيك بيتفجّر»، مؤكداً أنه أثناء خروجهما من الفندق لم نكن نرتدي الأحزمة الناسفة وتبقى تلك الاحزمة في الفندق.

وقرر رئيس المحكمة رفع الجلسة إلى السادس من حزيران المقبل لمتابعة الاستجوابات.