إيران وجماعتها في الوعي العراقي هي دولة تستولي على مقدرات العراق وثرواته النفطية منها وغير النفطية على حساب إفقار الشعب العراقي على عكس لبنان
 

 

أفضت نتيجة الإنتخابات بين كل من العراق ولبنان إلى نتائج متناقضة، بالخصوص في داخل البيئة الشيعية في البلدين، ففي حين تقدم بشكل ملحوظ الخط الرافض للهيمنة الإيرانية في العراق، لم يستطع شيعة لبنان إحداث أي خرق يذكر في اللوائح التي تحمل لواء الخط الإيراني بالخصوص مرشحي "حزب الله " كذراع إيراني واضح في لبنان .

يطفح على السطح هنا السؤال البديهي، عن هذا التفاوت بين البيئتين، وسبب الإخفاق عند شيعة لبنان مقابل النجاح  الباهر الذي حققه تحالف سائرون في العراق بقيادة السيد مقتدى الصدر وشعاره الأساسي " بغداد حرة حرة  إيران برا برا " بالإضافة طبعا لخطاب سياسي وطني يرفض التبعية لأي جهة خارجية.

أعتقد أن عوامل عديدة تقف خلف هذا التمايز بين البيئتين لعل أبرزها :

- الإنتماء الوطني عند شيعة العراق، فالدولة العميقة بمؤسساتها وحدودها ورمزيتها محسومة عراقيا في حين أن شيعة لبنان كما معظم طوائفه ( باستثناء الشعور المسيحي ) لديهم حس الإنتماء إلى الطائفة أعمق بكثير للإنتماء إلى الوطن، وهذا ما يعززه النظام الطائفي المعمول به لبنانيا منذ نشوء لبنان الكبير، وهذا ما يجعل الإرتماء في أحضان الخارج أمر محبب وشبه طبيعي في لبنان في حين يعتبر عراقيا أمر مستجد يحمل طابع الخيانة الوطنية .

- العداء التاريخي بين إيران والعراق، حتى داخل البيئة الشيعية ولطالما كان الصراع المستحكم بين الحوزة النجفية ومحاولات القضاء عليها لمصلحة حوزة قم، في حين أن هذا الصراع " الحوزوي " محصور في لبنان بين رجال الدين فقط ولم ينجر إلى القواعد الشعبية بسبب البعد الجغرافي .

- إيران وجماعتها في الوعي العراقي هي دولة تستولي على مقدرات العراق وثرواته النفطية منها وغير النفطية على حساب إفقار الشعب العراقي، في حين أن إيران في الوعي اللبناني هي مصدر إسترزاق لمئات آلاف العائلات، فالمال الإيراني المتدفق على شيعة لبنان ( ومنه المال العراقي نفسه ) هو محل حاجة وضرورة حياتية في ظل أوضاع إقتصادية لبنانية متردية وفي ظل مديونية في الموازنة اللبنانية لا تسمح بأي فرص عمل عند الشباب الشيعي اللبناني، إلا تحت جناح ما تؤمّنه الحركة الإقتصادية شبه المستقلة للمال الإيراني .

- فكرة "ولاية الفقيه " غير متجذرة في العقل الفقهي العراقي، وتاريخيا كانت الحوزة النجفية ومراجعها من المعارضين لهذه الفكرة التي تعتمدها إيران بشكل أساسي في التمدد داخل البيئات الشيعية .

- التيارات الشيعية الإعتراضية في العراق، هي تيارات موجودة ولها حيثيتها وثقلها وقيادتها ودورها في الشارع العراقي قبل الإنتخابات، في حين أن الإعتراض الشيعي اللبناني لا يعدو أكثر من أصوات وأقلام وشخصيات غير مبلورة في تيار واضح المعالم  ويكاد يكون لا وجود له، وخوضه الإنتخابات في لبنان ومحاولات تشكيل لوائح لا يعدو أكثر من صرخة لا يمكن تسييلها إنتخابيا، من خلال جمع أصوات أو إقامة تحالفات، لأن الإنتخابات  هي فعل تراكمي وليس فعل لحظوي ! 

- التيار الصدري في العراق، يمتلك من المقومات والإمكانيات المالية منها والعسكرية، فالتيار هو أيضا تيار مسلح وعنده مقاتلين تعد بالمئات ( جيش المهدي الذي تأسس 2003 وأصبح فيما بعد سرايا السلام )، على عكس الشيعة اللبنانيين الذين يقفون عراة مقابل جيش "حزب الله " المدجّج بالسلاح .

- تجربة الحكم الفاشلة التي قدمتها إيران عبر رجلها الأول " نوري المالكي " والتي لم تجلب للعراق والعراقيين إلا الفساد والإهتراء المؤسساتي والسرقات والنهب مما جعل الوقوف بوجهها أمر نادت به حتى المرجعية، في حين أن رصيد المقاومة والتحرير عندنا لا تزال حاضرة ويغرف الحزب منه عند كل إستحقاق، وهذا ما يفسر إستحضارها القوي يوم الإنتخابات في لبنان وجعل اللوائح الإعتراضية هي كمن يواجه " المقاومة " ويساعد على ذلك الجغرافيا السياسية للبنان وملاصقته للحدود مع الكيان الصهيوني وهذا ما يفسر تبني شعار ( نحمي ونبني ) عند الحزب .

 

إقرأ أيضا : معركة تطويق النفوذ الإيراني ترفع قيمة الرهان على الانتخابات العراقية

 

 

أعتقد أن هذه هي بعض النقاط التي خلقت هذا الفارق بين نتائج الإنتخابات في كلا البلدين، وهذه بمثابة دعوى للخط الشيعي اللبناني الرافض للهيمنة الإيرانية ولكل هيمنة، والطامح للوصول إلى بناء دولة حقيقية وكسر الإحتكار في التمثيل عند الطائفة الشيعية قبل فوات الأوان، وعدم الإكتفاء بالإنتظار أربع سنوات جديدة، ولعدم مقاربة الإنتخابات النيابية كقضية حقيقية تخدم مستقبل البلد وتحرر الطائفة من هيمنة المشروع الإيراني ومن بعض الإنتهازيين والمسترزقين باسم الإعتراض الشيعي .