إقتنع عون بأن برّي هو مفتاح عمل محرّكات العهد على أكثر من صعيد
 

 

طاولة غداء أعدّتها دوائر قصر بعبدا كانت كفيلة بكسر الحواجز النفسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري .

وطوال أشهر ما بعد التسوية الرئاسية وخصوصاً في فترة الإعداد للإنتخابات النيابية ، حصلت مشاكل كثيرة وتراكمت ملفات خلافية بين فريقي بعبدا وعين التينة ، أبرزها السجال الذي حصل بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل .

وكانت مرحلة الإنتخابات متوترة جداً ، كادت أن تُفجّر الأمور وتقلبها رأساً على عقب ، لولا تدارك الجميع لمسؤولياته ووضعها في إطار الخطاب الإنتخابي فقط .

لقاء بعبدا بالأمس ، بين الرئاستين الأولى والثانية ، هو لكسر هذه الهواجس وبناء علاقات وتفاهمات سياسية بالحدّ الأدنى تُلبّي مصالح الجميع ، وتُؤسس لمرحلة جديدة .

 

إقرأ أيضا : بري : أتعاطى مع كلّ شرائح المجتمع وباسيل واحد منها

 

 

وإن كانت العلاقة معقّدة بين " حركة أمل " و " التيار الوطني الحر " ، والكيمياء مفقودة بين عون وبري رغم حرصهما على إظهار العكس ، إلاّ أن مصلحة الطرفين هي في تخفيف التشنّج السياسي ووضع إطار للتفاهمات تُنقذ البلد من لعبة المحاور الداخلية بين فريقي بعبدا وعين التينة ، بعد نعي بري لتحالف " ٨ آذار " وما يعنيه ذلك من معايير جديدة لتأسيس تحالفات لا تأخذ بعين الإعتبار بالضرورة الإختلافات الإستراتيجية في رؤية مشروع الدولة .

بمعنى مبسّط ، لن يكون هناك مانع مثلاً من قيام حلف سياسي بين " القوات اللبنانية " و " حركة أمل " و " المردة " و " الحزب التقدمي الإشتراكي " إذا كان الهدف هو حصار جبران باسيل وكبح جماح مشروعه السياسي .

وهذه النقطة بالتحديد إلتفتت إليها بعبدا لا شك ، وأدركت أن بري جادّ في سعيه للتقارب مع القوات ، وأن " الأستاذ " ما بعد الإنتخابات أصبح أقوى نيابياً وسياسياً مما قبلها ، ما يُعطيه هوامش حركة أوسع تُتيح له التضييق على العهد وعرقلة مشروعه السياسي .

 

إقرأ أيضا : ما في مسؤول إلاّ و أكل كف من بري

 

 

إلى هذا الحدّ الكافي من الفهم السياسي لطبيعة ما بعد الإنتخابات تكوّنت القناعة لدى عون ، وإقتنع بأن برّي هو مفتاح عمل محرّكات العهد على أكثر من صعيد ، فكان اللقاء والغداء بالأمس .

والغداء بحدّ ذاته هو إشارة رمزية لكسر الرسميات بين الطرفين لإفتتاح مرحلة جديدة ، قد يكون باكورتها إعطاء عون أمره لباسيل لكي يُصوّت تكتل " لبنان القوي " لمصلحة بري في إنتخابات رئاسة المجلس النيابي ، كبادرة حسن نيّة. 

هذه الخطوة لو تمّت فستعني الكثير ، ويكفي أنها ستؤسّس لصفحة جديدة بين بري وباسيل بالأخص .

لكن بالمقابل ، يدعو مراقبون إلى عدم الحكم بسرعة على لقاء الأمس ، إذ يضعوه  فقط في سياق التخفيف من التشنجات السياسية في البلد من أجل أن يمرّ إستحقاق إنتخاب رئيس للمجلس النيابي وتكليف رئيس للحكومة على خير .

وبرأي هؤلاء المراقبين ، أن من المبكر الحديث عن تفاهمات بين بري وعون وبطبيعة الحال بين بري وباسيل ، فصفحة الخلافات بحاجة للمزيد من الوقت ، من دون أن يعني ذلك أن بعبدا وعين التينة متجهتان لحوار في المستقبل لطي صفحة الماضي بطلب وتمنّي من حارة حريك وربما ضغوط.