فضلات السفرات عندهم وأقسم بالله على ذلك تكفي لسد جوع أحياء وقرى ومناطق وبلدان كاملة من فقراء ومساكين خلق الله
 

    

للوهلة الأولى قد يبدو للكثيرين من التساؤل أنه غير ذي أهمية، وقد يرى كثيرون أنه ذات أهمية كبيرة، فالحاكم والقائد والزعيم هي أسماءٌ، ومجرور معها أسماء أخرى النائب والوزير والمسؤول، ومجرور بالإضافة معهم المفتي والقاضي ،هؤلاء مصونون غير مسؤولين، حتى ولو حرقوا النسل والحرث، وأكلوا الأخضر واليابس،بل قد ينالون ثواباً وحسنات، من باب أنهم اجتهدوا ولم يصيبوا فيحصلون على أجرٍ واحد، ولو أصابوا لحصلوا على أجرين وحسنتين، مع أخذ العلم مسبقاً لا أحد يجرؤ أن يقول للقائد الرمز وبطل الإسلام والعروبة والقومية ـ طبعاً المزعوم ـ بأنك قد تخطئ، وحينئذٍ ـ الحسنتان مضمونتان سلفاً ـ  فالسؤال هنا لماذا يصومون ؟هل يريدون تحصيل الثواب والأجر مثل "المعترين والمشحرين من أبناء هذا الشعب الشريف ؟ أم أنهم يعتبرون أنَّ هذا الشهر يغفر لهم أكلهم وشربهم وقتلهم ونهبهم وظلمهم، لتمحى جميع الآثام والمعاصي والذنوب في هذا الشهر الكريم ؟ لا أدري أين يصرف قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) " إنَّ الله فرض على أئمة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة الخلق"، ولا ندري أن يصرف كلام الله تعالى كما ورد في الحديث القدسي عن رسول الله (ص) " إني لم أستعمل الحكام لسفك الدماء وأخذ الأموال، وإنما إستعملتهم ليكفوا عني أصوات المظلومين، وإني أرعى ظلامتهم وإن كانوا كفاراً".

 

إقرأ أيضا : شهر رمضان ونشر ثقافة المحبة

 

فإن أرادوا أجراً فأبسط شيء هو حقوق المساكين والفقراء الذين يطلق عليهم أنهم من الشعب، ولإكتمال شروط الثواب والأجر أن يعطوا الحقوق من دون منة أو مكرمة، أو للأقل أن يشاركوا ويتقاسمون معهم " سفرة رمضان" بأن تكون متساوية بين طعام المشحرين والمساكين، وبين طعامهم، فقط في هذا الشهر الفضيل. لكن من يراقب وينظر لأبسط دعوة إفطار رمضانية عندهم هؤلاء الأفذاذ من قوافل الإسلام والعروبة، سترى بأن فضلات السفرات عندهم وأقسم بالله على ذلك تكفي لسد جوع أحياء وقرى ومناطق وبلدان كاملة من فقراء ومساكين خلق الله. ولكن يبقى السؤال الأهم من هذا كله: هل أقاموا هذه السفرات من جيوبهم الخاصة، أو من إرث ورثوه عن آبائهم ليمنَّوا بها من وعاظ السلاطين وشيوخ البلاط واللصوص وآكلي أموال اليتامى والمساكين والثكالى والأرامل؟! ولعلَّةٍ يسترسلون بلحاهم وبعلِّةٍ أخرى يطيلون صلاتهم،وأصحاب قصعة الحكم والوظيفة؟ هنا لا أعتقد بأنَّ الحاكم العربي والإسلامي والنائب والمسؤول والقاضي والمفتي أنهم بحاجة إلى أن يصوموا، باعتبارهم وكلاء الله على خلقه وعلى الأمة جمعاء، لأنهم بحاجة إلى طاقات كاملة إن على صعيد العلم والفتوى والإجتهاد والقضاء والحكم، لإكمال واجباتهم الإلهية والدينية والسياسية والتاريخية، بل أعتقد أنَّ شهر رمضان هو ليس بحاجة لصيامهم، لأنهم لم يجربوا الفقر والجوع منذ توليهم مهامهم الفذة، والأنكى من هذا كله تراهم يهطلون عليك أيها الفقير المعتر وابلاً من الوعظ والصبر، وهم أصلاً لم يعرفوا معناه لا في النفس ولا في الفهم وفي الدين، بل لم يعرفوه إلا في قاموس اللغة العربية التي لا يتقنونها.