يحل علينا خلال أيام قليلة شهر رمضان المبارك، وهو مناسبة دينية عظيمة لدى المسلمين، وموسم يتسم بالعبادات والتوجيه الاخلاقي والروحي، حيث يبعث في الناس استعدادا اكبر وتقبلا اكثر للقاءات الاجتماعية وحضور المجالس بما تحتويه من ارشادات وحوارات ونقاشات متنوعة.

لا شك أن هذه الأجواء الروحانية العامة تعتبر مجالا خصبا للتواصل والحوار البناء بين أبناء المجتمع، وخاصة اذا ما تم استثمارها بالطريقة المثلى التي توظف هذه الأجواء بطريقة مثمرة وفعالة وإيجابية. ومن هنا ينبغي استثمارها للتعبئة النفسية الإيجابية في تحسين العلاقات الاجتماعية ونشر ثقافة المحبة والتسامح والألفة والتقارب والتفاهم بين المكونات المختلفة في المجتمع.

في مجلس سمو أمير المنطقة الشرقية الأسبوع الماضي الذي تم تخصيصه للقاء الخطباء وأئمة المساجد، تم الإسهاب في الحديث عن الاستعدادات للشهر الكريم ودور البرامج الدينية التي تقام في المساجد وغيرها في توعية وتثقيف المجتمع. وكان في اللقاءات توجيهات مثمرة حول الطرق المثلى للاستفادة من أجواء الشهر الفضيل واتباع أفضل السبل للدعوة والإرشاد ومراعاة مستويات وحالات الناس في ذلك.

وجاءت توجيهات سمو أمير المنطقة مؤكدة على الاهتمام بحاجات وقضايا الناس ومراعاة أوضاعهم وقضاياهم، والتنسيق المتواصل بين جهات ومراكز العبادة والتوجيه لاستثمار المناسبة بما يفيد المجتمع ويراعي أوضاع أفراده. المجتمع ينتظر أكثر من الخطباء للخروج من الحالة التقليدية في التبليغ إلى ملامسة قضايا وأوضاع المجتمع وحاجاته، بحيث يتناغم الخطاب التوجيهي مع الاهتمامات العامة في المجتمع. ولا شك أن توجهات مثل معالجة التوترات الاجتماعية وتعزيز التواصل الاجتماعي ستكون مناسبة أكثر للحديث حولها وتعزيز مفاهيمها من منطلقات دينية وثقافية.

إن مبادرات بعض الشباب والجمعيات الخيرية بإفطار الصائمين، أو تفقد حالات الجيران، أو دعم المبادرات الخيرية والإنسانية تعتبر في قمة الأولويات وتستحق الإشادة والاهتمام والالتفات إليها لمساندتها. ما أحوجنا كذلك -في هذا الشهر الفضيل- لملامسة قضايا الضعفاء من الأجانب الذين يعيشون بيننا وبعضهم في أمس الحاجة للدعم والمساندة وخاصة الأسر المهجرة من سوريا أو اليمن وغيرها.

شهر رمضان يعتبر محطة توقف لمراجعة الذات وإعادة تأهيلها كأفراد وجماعات من ناحية تحمل ضغوط ومصاعب الجوع والعطش وكذلك الضغوط النفسية الناتجة عن الصيام ومواجهتها بقلب رحب ومنفتح على الآخرين بكل أريحية وتقبل واحترام. وهذا ما يدفعنا للتأكيد على أهمية استغلال هذه الفترة الجميلة في حياتنا باتجاه الاهتمام بقضايا وشؤون المجتمع وخاصة فيما يرتبط بتعزيز الألفة والتواصل والمحبة بين أبناء المجتمع. البرامج الإعلامية يمكنها أن تنشر هذه المفاهيم بطرق ووسائل مختلفة، كما هو حال الخطباء والعلماء أيضا.

كما يحافظ المسلم على صيامه بالامتناع عن الأكل والشرب وبقية المفطرات، فإنه مطالب أيضا وفي نفس الوقت بأن يمتنع عن المنكرات من القول والفعل وخاصة تلك التي تكون فيها إهانة لإنسان آخر أو تمايز عليه أو فعل يؤذيه. وهذا يتطلب أن يتحول هذا الشهر الكريم إلى مدرسة في الأخلاق وحسن المعاملة مع الناس وتوجيهه لنشر ثقافة المحبة والسلام والألفة.

 

(اليوم)