أخذ مقتدى الصدر بيد العراق نحو بناء الدولة ذات السيادة لا الدويلة ذات التبعية
 

رغم كل المحاولات الحثيثة لإبقاء العراقيين قرب المراقد كفقراء يتوسّلون أرغفة البؤس دون التطلع الى الحياة والمسك بأسباب الدولة. 
نجح العراقيون الشيعة في قول كلمتهم وفي تحديد مواقفهم و خياراتهم في انتخابات أريد لها أن تكون سبباً كافياً لعودة المشروع المهدّم للعراق من خلال عودة المالكي المدعوم من الدولة المستفيدة من بقاء العراق منهوباً ومنكوباً ومقطّع الأوصال والمحافظات والأرحام كيّ يسهل هضمه ويسهل بقاؤه في عهدة الجار الذي أمسك بالبلاد و العباد نتيجة ضعف العراق وانقسامه مذهبياً وطائفياً وتركه مشغولاً بأقفاص الأئمة دون التمسك بسيرتهم العملية في الحياة وهذه ثقافة دخيلة على العراق الذي عُرف بحيوية عربية واسلامية قلّ نظيرها في الفكر والثقافة والسياسة وفي الحضارة التي غرف منها الكثيرون ليرووا عطش تاريخهم.

إقرأ أيضًا: ما في مسؤول إلاّ وأكل كف من بري
لقد نجح العراقيون في نفض غبار النوم عن أعينهم وترك كل العقاقير المخدرة لهم لإبقائهم بين نواح ولطم واختاروا من يصحح لهم حالهم و أحوالهم من خلال مشروع الاعتدال الشيعي الذي يمثله السيّد مقتدى الصدر ابن السلالة الصدرية التي أسّست وأسهمت في تأسيس الاعتدال الشيعي أينما حلّت والتجارب الصدرية واضحة في هذا المجال ولا لبس فيها ومازالت حيّة في لبنان من خلال المشروع الذي أرساه الصدر في التجربة الشيعية والتي جعلها مستعصية على التطرف الذي يرى الكفر في الدولة المدنية  وفي التنوع الانساني والاجتماع البشري كل وفق إيمانه ومعتقده.
كما أن محاولات الاصلاح في الفقه الشيعي من قبل رائد التجربة الاصلاحية في المرجعية الشيعية السيّد محمد باقر الصدر علامة مضيئة من العلامات الصدرية في الفضاء الشيعي وقد استمرت المحاولات الشيعية المعتدلة من قبل السادة الصدريين وكان مقتدى الصدر امتداداً لهذا السلف الصالح وبعد أن مرّ بتجارب عديدة أتاحتها ظروف العراق منذ إسقاط نظام صدّام وحتى الآن أخذ مقتدى الصدر بيد العراق نحو بناء الدولة ذات السيادة لا الدويلة ذات التبعية واعتمد على النسيج الوطني لا الطائفي في لائحة "سائرون" على عكس اللوائح الشيعية المؤدلجة والمصنعة في الخارج ذات الماركة الطائفية المسجلة لصالح المنتج لا المستهلك وهذا ما أكسب الصدر رصيداً كبيراً صرفه في الانتخابات النيابية ففاز بأكثرية المقاعد وبفارق فضح الكتل المستندة الى المال و العصبية المذهبية والدعم الخارجي وتبيّن هشاشة الحشد الشعبي في الانتخابات رغم فرض سيطرته بقوّة السلاح  وهذا ما يؤكد أن هوى العراقيين غير هوى المتسلحين بالسلاح المذهبي وأن لا سيطرة له حيث تكون الارادة الوطنية متحررة من القيود و المخاوف التي تحاصرها من كل حدب و صوب.

إقرأ أيضًا: عرف النبيه مكانه فتدلل
سقط حزب الدعوة بشقيه الايراني والبريطاني ولم ينجح في المحافظة على سلطة وصلت اليه على طبق من ذهب فأفسدته وأفسدها وقد عانى العراقيون من الدعواتيين أكثر مما عانوا أثناء سلطة صدّام وخاصة من الفساد المالي والشحن المذهبي وعدم تحرير الرئيس العبادي نفسه من أسر الدعوة أبقاه في الوسط ولم يتقدم بحجم البطولة التي قدمها في مواجهة تنظيم داعش كما أن دعاة الشيعة الآخرين والتابعين بإحسان أو بغير إحسان الى غير العراق ممن نالوا حظاً في الانتخابات هم على موعد جديد مع بناء الدولة وتكاد أن تكون هذه الفرصة فرصتهم الأخيرة لأن الفرص تمرّ مرّ السحاب، ومع قطع أيّ علاقة مضرّة ببلدهم، وأن لا يُفسدوا في الأرض كما أفسد المالكي من قبل كي يستطيعوا الاستمرار في الحكم وغير ذلك سيعيد انتاج عراق آخر.
إن مشروع مقتدى الصدر الشبيه بمشروع الامام الصدر في لبنان والمتأثر بسياسة نبيه بري  والقائم على الاعتدال أي الاعتراف بالدولة المدنية والعدم الانجرار وراء الدولة المذهبية والانخراط فيها كمواطنين لا كجماعات و كيانات طائفية هو أحد الرهانات الصائبة على عودة العراق الى العراقيين وعلى عودة العراق الى عروبته والى إسلامه المدني ونبذ العنف و المساهمة به تحت و طأة ضرورات ومصالح لا تمت بصلة لضرورات ومصالح العراق الوطنية.