بعد مهرجانات «الانتصار» المزعوم في الاستحقاق الانتخابي راحت الفكرة وجاءت السكرة على حدّ المثل اللبناني المعروف، بالنسبة الى الكتل النيابية التي أفرزتها هذه الانتخابات بالنظر إلى الاستحقاقات الكبيرة القادمة وعلى رأسها انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة المكتب، ومنظومة التكليف والتأليف لحكومة العهد الأولى كما يرغب بها رئيس الجمهورية. فبالنسبة لرئيس المجلس الواضح أن كل الكتل بمن فيها تكتل لبنان القوى الذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، سلمت الراية للرئيس الحالي نبيه برّي متجاوزة ملاحظاتها على ادائه من جهة ونتيجة تسوية طرحها رئيس المجلس الحالي بالتنازل عن نيابة رئيس المجلس لمن يسميه رئيس الجمهورية من نواب تكتل لبنان القوي. وبالنسبة إلى التكليف، فإن الاتجاه العام عند الأكثرية بدءاً من الثنائي الشيعي الذي يضم أكثر من ثلاثين نائباً على أقل تعديل وانتهاءً بتكتل لبنان القوي الذي يضم حوالى ثلاثين نائباً أبدى استعداده لتسمية رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري لتشكيل حكومة العهد الأولى، وكذلك يكون رئيس الحكومة الحالي مع تكتله الذي يضم واحداً وعشرين نائباً ضمن الأكثرية العددية للتكليف، لكنه في الوقت نفسه لم يحظ حتى الساعة على التسهيلات المطلوبة للتقليع بحكومة العهد الأولى بالسرعة المطلوبة، لأنه لا يزال يصطدم بشروط وضعتها هذه الكتل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر شرط إسناد وزارة المالية الى الطائفة الشيعية تطبيقاً لما ورد في محاضر اتفاق الطائف كما يقول الرئيس برّي ويسانده في ذلك حليفه الدائم حزب الله، هذا بالإضافة الى مطالب الكتل النيابية الأخرى كالقوات اللبنانية التي باتت تشكّل حجر الزاوية الى اللعبة الداخلية وكتلة الوفاء الوطني التي يتزعمها النائب المنتخب تيمور جنبلاط إلى المستقلين الآخرين الذين بدأوا الاتصالات في ما بينهم لتشكيل قوة ثالثة يكون لها دور فاعل في اللعبة السياسية الداخلية وفي المراقبة والمحاسبة من على منبر السلطة التشريعية، وهذا الواقع القائم على الأرض، يجعل مهمة الرئيس الحريري الذي وقع عليه اختيار الاكثرية النيابية لتشكيل حكومة العهد الأولى غير مفروشة بالورود يقدر ما هي صعبة ومقعدة، في ظل اصراره على أن تكون حكومته حكومة وفاق وطني تضم كل المكونات اللبنانية حتى تستطيع أن «تقلع» وتحقق طموحات العهد في الاصلاح والتغيير، أي في محاربة الفساد، وإقرار خطة اقتصادية شاملة، والاسراع في حل المشاكل التي يعيشها اللبنانيون من مشكلة «الزبالة» إلى الكهرباء والمياه والبطالة والفقر وما إلى ذلك، في الوقت الذي يفضل رئيس الجمهورية أن تشكل حكومة العهد الأولى من الأكثرية استناداً الى نتائج الانتخابات التي أفرزت حسب رأيه أكثرية تحكم واقلية تعارض إذا رغبت في ذلك، وبذلك يكون لبنان عاد إلى تطبيق اللعبة البرلمانية الديمقراطية التي تقول بحق الاكثرية أن تحكم وعلى الأقلية أن تعارض، بمعنى أن تراقب أداء الحكومة وتحاسبها تحت قبة البرلمان على اخطائها في حال ارتكبت أخطاء. لكن رغبة رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة من الأكثرية تصطدم وفقاً للمواقف التي اعلنها الرئيس الحريري برغبته في تشكيل حكومة وفاق وطني، الا إذا تراجع عن هذه المواقف وقبل بتشكيل حكومة أكثرية الامر الذي يجعله في مواجهة لا يريدها مع القوات اللبنانية والمستقلين وربما مع الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلته النيابية، من هنا يصح القول المعروف بأنه إذا كان التكليف أصبح مضموناً، فإن طريق التشكيل لا يزال محفوفاً بالأشواك والمطبات التي قد تستغرق وقتاً طويلاً لحل عقدها.