مهمة سعد الحريري مربكة ومعقدة بسعيه لتشكيل الحكومة المقبلة
 

يُعتبر لبنان المرآة العاكسة للتفاعلات الإقليمية والواضحة لإنعكاس صراعاتها، لذلك ستلعب نتائج الانتخابات اللبنانية دوراً في تداعيات محتملة لمكانة الدولة اللبنانية على الساحة الدولية، لا سيما بعد زعزعة الاتفاق النووي وانسحاب الولايات المتحدة منه، حيث ستجعل "إيران " تفقد آخر عامل مؤثر يمنع حلفائها من ميليشياتها الشيعية المسلحة في سوريا ولبنان والعراق واليمن من توسيع أنشطتهم العدائية ولعل ذلك يُدخل المنطقة في مواجهة مباشرة ، حيث يرى المراقبون إمكانية أن تضغط إيران على "حزب الله" لعزل خصومه السياسيين في تطور قد يهدد استقرار لبنان، خصوصاً بعد أن نجحت القوى الداعمة للحزب المذكور نيل حصة وازنة من مقاعد البرلمان على مستوى جميع الدوائر الانتخابية.
وهكذا ستصبح مهمة سعد الحريري مربكة ومعقدة بسعيه لتشكيل الحكومة المقبلة ويصبح أمام مأزق احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك تلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 و1701، بالاضافة الى سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، وهذا الامر لن يتوافق مع سياسة الحزب وحلفائه الجدد   حيث لم تستطع الحكومة اللبنانية خلال الأعوام الماضية من تحقيقه عندما كانت القوى "السيادية" المناهضة للحزب في ذروة قوتها ونشاطها فكيف سيكون حال "النأي بالنفس " بعد أن بسط الحزب سيطرته على مفاصل السياسة اللبنانية ؟
هذا الحزب ومن خلال أمينه العام يُعلن بوضوح أنه يريد من الحكومة الجديدة ان تشكل المظلة الديبلوماسية له والتي يجب ان تتغاضى عن أنشطته العسكرية وعن تنامي قدراته تحت شعارات المقاومة والممانعة.
إن البنية الطائفية في لبنان واستشعار معظم "الشيعة" بفائض القوة من خلال السلاح إلى جانب الحالة الهشة لمؤسسات الدولة العاجزة عن بسط سلطتها بعدالة واقرار سلطة القانون بين كل الفرقاء، هذا الامر الذي أدى الى تغول ظاهرة الفساد داخل المؤسسات الرسمية الموزعة بحسب المعيار المذهبي والتوازنات بين الطوائف، الامر الذي اعطى إيران قدرة للتأثير من خلال الحزب على القرار في الدولة اللبنانية، كما كرست تلك التجربة في اليمن والعراق ووفي "سوريا " أيضاً.

أقرا أيضا: مشهد ما بعد الإنتخابات

وقد بدا ذلك جلياً بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات اللبنانية ؛ فما ان انتهت عمليات الاقتراع حتى قامت المظاهرات السيارة التابعة لأنصار الثنائية بغزو العاصمة بيروت في استفزاز واضح وتهويل ليس على سكان بيروت فحسب بل على عموم الشعب اللبناني الامر الذي ينذر  بنشر الفوضى في لبنان كما أعادت للذاكرة مشاهد استباحة بيروت في السابع من أيار 2008 حين اجتاح اصحاب القمصان السود العاصمة وأدى ذلك إلى موت العديد من الأبرياء ويوم وصف امين عام الحزب ذاك النهار باعتباره "اليوم المجيد" ليحصل بعد ذلك شكلاً من التوافق "لقاء الدوحة" حيث تكرس حينها مفهوم الثلث المعطل في الحكومة، وليتكرر في يوم السابع من أيار 2018 المشهد المقزز في اشارة واضحة لما ستصبح عليه الأمور .
فترة طويلة لم يستطع لبنان ان يضع حداً لانفلات السلاح الميليشيوي ولا أن ينآى بالفعل بنفسه عن الحرائق المنشرة في الدول المجاورة ، وباتت فيه القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن إمكانية الوصول الى قاسم مشترك يمثل الحد الأدنى والخطوط العريضة للسياسة الخارجية اللبنانية ، في وقت يعتبر فيه الحزب نفسه وحلفائه منتصرًا لا بل ينصب نفسه "وصياً" على كل لبنان، عبر خطابات تُصرح علناً وبدون مواربة أن من يملك القوة قادر على بسط سيطرته وفرض شروطه في الداخل وبالوقت نفسه يفتخر ويعلن صراحة انتمائه وتبعيته ل "إيران " ودولة "الولي الفقيه".

إقرا أيضا: الإندماج الوطني مظلة تحمي الجميع

أما بالنسبة للشأن الخدماتي فإن الانتخابات كشفت ايضا عن فئة كبيرة من الشباب الرافض للطائفية والمذهبية بكل أشكالها وابعادها، بعد ان ضاقت ذرعًا بحالة التهميش والحرمان لابسط مقومات التنمية في عدد من المناطق التي يدّعون بأنها تشكل خزان المقاومة والاتهامات المفتعلة للاطراف السياسية المتخاصمة معه ، وهؤلاء الشباب يتطلعون بصدق الى عقد اجتماعي جديد مدني، مبني على المواطَنة وفق مبدأ الحقوق والواجبات.
بنأً على ذلك علينا أن نعترف بأن عمليات تخويف الناس ورفع شعارات مذهبية و الحاجة إلى الإستقرار دفعتهم للتصويت للقوى الطائفية والتماهي مع البيئة المذهبية التي اتفق لهم أن يكونوا ضمنها ، فأغلبية الشعب اللبناني الآن بكل توجهاته يظن أن لا وجود له مستقلاً خارج الانتماء المذهبي البغيض ، ولا يستطيع أن يعبر عن إستقلاليته دون الاعتماد على التبعية لتلك الفئة أو الاتكال على مرجعية الشخص أو الأشخاص الذين يجسدون بنظره الحالة الافضل.
فالخوف من سطوة الحزب أدى ببقية المذاهب والطوائف الى الالتفاف أيضاً حول "زعمائهم" ،أي بعنى آخر استطاع الحزب  ان ينجح في تعميم نموذجه على الاخرين، في صورة تشير معالمها الى كارثة حقيقية كون هذا النموذج يكرس حالة "القطيع" التي تغذيه المرجعيات وتتلاعب به في آن معاً لتستمر في لعبة السلطة والهيمنة ، وبالتالي فإن مفهوم المواطنة والحالة هذه يبدو غائبا تماماً .
وبين حالة تكريس التبعيات الخارجية وضعف الجبهة الداخلية على مستوى التحديات التي تفرض نفسها على المستوى الاقليمي والدولي يضاف على ذلك غياب الخدمات الداخلية يرزح المواطن اللبناني تحت أحمال لاطاقة له ولا للبلد أن يتحملها، بحيث تصبح حال البلد والمواطن كمن يركب في قاربًا مثقوباً في عباب بحرٍ هائج ، فالانتصارات التي يعلن عنها ما يسمى بفريق الممانعة سوف لا تنتج إلا ويلات الحروب .