ليس سهلاً من يقوم به الرئيس سعد الحريري. كأنه يعمل على تأسيس حزب جديد، إذا ما كانت القرارات التي يتخذها جدية وسيمضي بها حتّى النهاية. هي الورشة التي كان يتوجب عليه إطلاقها في التيار منذ أشهر، وحين طلبت منه السعودية، طلب الاستمهال والحصول على فترة لترتيب ذلك. كان الرجل يراهن على فوز انتخابي كاسح، لعلّ ذلك يجنّبه الكأس المرّة. صحيح أنه حقق الكتلة السنية الأكبر، ولكنه أظهر تراجعاً كبيراً. ما دفع السعوديين، بحسب بعض المعلومات، إلى مطالبته بضرورة الإقدام على تلك الخطوة. فلو لم يتراجع انتخابياً لكان قد غُض النظر عن هذه الإجراءات. في المقابل، هناك من يعتبر أن الحريري مقتنع بما يقوم به، وسيشمل مختلف أركان الدائرة القريبة منه.

لم يكن عابراً، تزامناً مع هذه الإجراءات، أن تتسرب فيديوهات وصور لأشخاص وعدوا من قبل المسؤولين المستقبليين بأموال بدل تصويتهم، وأخرى لعاملين ضمن الماكينة الانتخابية للتيار كمندوبين وغيرهم، يطالبون ببدل أتعابهم فيما يتهرّب المسؤولون مما وعدوهم به. وهذه إشارة إلى أن هناك من كان يعمل داخل التيار على مراكمة الملفات، في إطار صراع الأجنحة. من بين الأسباب أيضاً، تفيد المعطيات بأن الإقالات تحسب بسبب سوء إدارة العملية الانتخابية، والاستهزاء بأهميتها، إذ إن الحسابات الأخيرة للمستقبل أشارت إلى تخلي المسؤولين عن إدارة هذا الملف، عن خمسة مقاعد بالحد الادنى لمصلحة التيار الوطني الحر، 2 في الكورة، وواحد في زحلة، و2 في بيروت الأولى.

وفق ما تؤكد مصادر في المستقبل، فإن الحريري بدأ عملياً مرحلة التطهير داخل تياره، وأساسها إزاحة كل الذين اتهموا بالشروع في "اتفاقات وصفقات"، وفق المصادر. وهذا ما ينطبق على إقالة ماهر أبو الخدود، مدير دائرة المتابعة في مكتب رئيس التيار، وأحد المقربين جداً من وزير الداخلية نهاد المشنوق. فيما إقالة هيئة الانتخابات ومنسق عام الانتخابات وسام الحريري تأتي على خلفية إدارة الشأن الانتخابي. لم تكن استقالة نادر الحريري متوقعة، وهي مثّلت مفاجأة كبيرة. تشير المصادر من خلالها إلى أنها ستكون مقدّمة لإقصاء كثيرين، وإلى أنه لن يكون هناك خيمة فوق رأس أحد. وفيما يعتبر البعض أن إقالة أبو الخدود قد تكون رسالة موجهة إلى المشنوق، تشير مصادر متابعة إلى أن الحريري كان قد أبلغ المشنوق سابقاً بأنه لن يكون وزيراً في الحكومة المقبلة، وبمجرّد ترشيحه للنيابة، فهذا يعني أنه لن يوزّر مجدداً.

الأولوية، بحسب هذه المصادر، هي لتوزير شخصيات جديدة في تيار المستقبل، لا سيما الذين طلب منهم عدم الترشح للانتخابات النيابية، بالإضافة إلى شخصيات لم تكن معروفة على الساحة السياسية. وقد بدأ التدوال في بعض الأسماء، وسط تأكيدات بأن جمال الجراح سيبقى وزيراً، وهناك احتمال لتوزير النائب السابق مصطفى علوش. وستنطبق هذه الإجراءات الإقصائية على شخصيات عدة، إذ هناك من يرجح إبعاد الوزير غطاس خوري. ليبقى السؤال الأساسي إذا ما كانت هذه الخطوات ستطبّق عملياً أم أنها إجراءات شكلية، وإبعاد هذه الشخصيات من الصورة العامة فحسب.

هذا الأمر سيظهر من خلال الخيارات السياسية للحريري. وهي لا تنفصل عن التحالفات التي قد تتشكل على أسس متناقضة. ففي ضوء إصرار الحريري على العلاقة مع التيار الوطني، تشير نتائج الانتخابات والواقعية إلى وجوب التعاطي بصيغة أخرى، خصوصاً أن هناك تحالفاً جديداً ينشأ بين الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. في مقابل تكتل آخر جديد سيكون قريباً من هؤلاء ويضم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وفريد هيكل الخازن وغيرهما. هؤلاء سيكون الحريري بحاجة إلى التحالف والتفاهم معهم، أولاً لتشكيل الحكومة، وثانياً لتسيير أعمالها.