تلقّى مسؤول كبير من سفير دولة كبرى تقييماً هادئاً للتطوّرات العسكرية التي شهدتها سوريا في الآونة الأخيرة، وللقصفِ المتبادل الذي طال أهدافاً إيرانية وسوريّة في داخل سوريا، ومواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان.
 

في تقدير السفير المذكور أنّه يستبعد انحدارَ الوضع إلى حرب واسعة أو حرب شاملة، أو ما اصطلِح على تسميتها حرباً إقليمية، ذلك أنّ كلّ الاطراف المعنية بهذه الحرب، وبرغم الوتيرة العالية من التهديدات المتبادلة، لا تريدها، وخائفة منها، ويجب التوقّف مليّاً عند مسارعة الاطراف المعنية الى تخفيض سقفِ التصعيد الحربي، لأنّ الأذية التي يمكن أن تلحقَها الحرب بأطرافها، أكبر من أن تُحتوَى بسهولة، وربّما تترك آثاراً في منتهى السلبية على دول هذه الحرب، قد تمتدّ انعكاساتها لسنوات طويلة، سواء على بنيتِها المجتمعية أو بنيتها الاقتصادية.

كان السفير المذكور مصِراً على أنّ الاشتباك الصاروخي الذي حصَل، هو أعلى ما يمكن أن تشهده المنطقة عسكرياً في الوقت الحالي. ذلك أنّ «المناوشات الصاروخية والجوّية» لم تكن بالضخامة المخيفة، وربّما تكون مطلوبة وبشكل محدود، خلال الفترة الانتقالية المتعلّقة من جهةٍ بمسألة نقلِ السفارة الاميركية الى القدس، وتمريرها بسلاسة عبر إشغال المعترضين وتخويفهم بهاجس الحرب.

والمتعلّقة من جهة ثانية بتطوّرات الملف النووي، إذ قد يكون هذا التصعيد مطلوباً أميركياً وكذلك إسرائيليا لتبرير الانسحاب الاميركي من اتفاقية فيينا، واحتواء مسبق لأيّ ردود فعلٍ عليها وخصوصاً من قبَل الغربيين، على انسحاب واشنطن من اتفاق يَعتبره الاميركيون ومعهم الاسرائيليون، خدمةً كبرى جرى تقديمها لعدوّ خطير اسمُه إيران.

كلام سفير الدولة الكبرى ينطوي على «تطمين آنيّ» بإشارته الى محدودية الاشتباك في الوقت الحالي، ولكن ماذا عن «الوقت الآتي»؟

لم يُبدِ السفير اطمئناناً خالصاً لمستقبل الوضع والمنطقة، لا بل إنه وافقَ على تقييم المسؤول اللبناني الكبير القائل بأنّ هذا الاشتباك المحدود، لا يلغي احتمالَ انحدار الامور الى الأسوأ، ولا يعني ايضاً أنّ صندوق المفاجآت فارغ من أيّ مفاجأة قد تجعل الحلبة العسكرية تتدحرج الى حرب مدمّرة بين اسرائيل ومِن خلفِها واشنطن ودولٍ عربية وإقليمية، وبين إيران ومعها سوريا ومِن خلفهما حلفاؤهما الاقليميون والدوليون.

أمّا متى يحين هذا «الوقت الآتي»، هل في المدى القريب أم في المدى المتوسط أم في المدى البعيد؟

يجيب المسؤول الكبير بقوله: «تبدو المنطقة على طاولة قمار، يديرها مجانين الحرب، وثمّة من يلعب «الصولد» بمصيرها، وعلى ما تؤشّر وقائع المنطقة، فإنّ «الوقت الآتي»، ولم يعُد متأخّراً، هو بيدِ المجانين الذين قدّموا في الاشتباك الأخير عيّنةً صغيرة عمّا سيكون، أو بروفا تمهيدية للحرب الكبرى والشاملة».

هذه الخلاصة التشاؤمية التي قدّمها المسؤول الكبير، انتهى إليها في قراءته للوحة المنطقة والتطوّرات المتسارعة فيها، وبنى فيها تشاؤمَه على ما سمّاهما عرضَين مسرحيَين، قد يبدوان باهتين، لكنّهما في جوهرهما يشكّلان نقطة ارتكاز لمتغيّرات خطيرة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في الشرق الأوسط؛

- الأوّل، عُرض في تل أبيب، حينما وقف رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل أيام ليكشف عن «صيد استخباراتي» للتأكيد على سعي إيران امتلاكَ سلاح نووي.

- الثاني، عُرض في واشنطن، حينما أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحابَ الأحادي من «تسوية فيينا» النووية.

هذان العرضان، كما يقول المسؤول اللبناني الكبير، مندرجان، على ما يبدو، في سيناريو خطير، بقرار أخطر على مستوى المنطقة يتجاوز «تسخيف» الصحافة الاسرائيلية وبعض المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية لِما قدّمه نتنياهو ممّا سمّاها «دلائل اتّهامية ضد إيران تؤكّد سعيَها إلى امتلاك سلاح نووي»، والقول أمام الرأي العام الاسرائيلي إنّ رئيس الحكومة الاسرائيلية كان ممثّلاً فاشلاً، وما قدّمه ليس سوى عرض هزلي لا جديد فيه، بل تضمّن وقائع قديمة تعود إلى العام 2015.

ويتجاوز من جهة ثانية الاصواتَ الاميركية الاعتراضية التي تعالت في الكونغرس والبنتاغون ومن الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، ضد خطة ترامب ووضَعتها في خانة التسرّع الغبي وحذّرت من تداعياتها.

يقول المسؤول: من الطبيعي أن تحتفل إسرائيل بالهدية الكبرى التي قدّمتها إليها خطوة ترامب، أو بالأحرى من الطبيعي أن تحتفل بإنجازها الذي عطّله أوباما، لأنّها هي التي صاغت خطوةَ ترامب ودفعَت إلى اتّخاذها مع رئيس أميركي طيّع في يدها وجرّته الى الهدف الذي تريده. ودخلت الآن في مرحلة انتظار جنيِ حصادِ ما زرعته.

ووفقَ قراءة المسؤول الكبير، فإنّ خطوة ترامب، التي «انتشَت» فيها بعضُ الدول العربية المعادية لإيران، جاءت صادمةً، ليس لإيران، بل لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية، الأوروبيين الذين تسابقوا للإعراب عن الخيبة ممّا سمّوها «خطوة متهوّرة»، وللتعبير عن استيائهم من أنّ مَن يَحكم البيت الابيض اليوم ، هو «مقامر» يقوده إدمانه على القمار إلى خطوات متهوّرة وغيرِ محسوبةِ النتائج، كخطوة الانسحاب من النووي.

هنا يدعو المسؤول إلى التعمّق في الموقف الأوروبي، فالأوربيون أعلنوا صراحةً أنّ خطوة ترامب لا تستهدف إيران بقدر ما تستهدفهم هم، وتستهدف محاصرةَ الاقتصاد الاوروبي وتضييق أفقِ نموِّه، خصوصاً بعدما استبشرت الشركات الأوروبية خيراً في «تسوية فيينا»، وراح رؤساء مجلس إداراتها، ومدراؤها المختصون، ناهيك عن وزراء الحكومات الاوروبية الفرنسية، والألمانية والإيطالية على وجه الخصوص، يتسابقون إلى طهران، للفوز بهذه الصفقة أو تلك، وبالتالي محاولة تغيير مسار أزمة التباطؤ في النمو التي شهدَتها القارّة الأوروية العجوز خلال السنوات السابقة.

يكشف المسؤول الكبير، في معرض هذه الصورة التي يَرسمها، عن تلقّيهِ تقريراً غربياً، يفيد بأنّ خطوة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي أحرَجته، بدليل الأصوات الاميركية التي تعالت من الجانبين الجمهوري والديموقراطي وحتى من داخل الإدارة، والتي حذّرت من أخذِ الولايات المتحدة إلى تحدّيات جدّية، كمثلِ تلاقي الاوروبيين بشكل عام مع الموقف الروسي، الذي يمكن أن تكون له تبعاتٌ تعاكس المصلحة الأميركية. وهذا معناه أنّ ترامب أمام ثلاثة خيارات:

- إمّا أن يترجّلَ عن طاولة القمار التي يقارب منها الملفّات العالمية، ويتراجع عن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي، وهذا الأمر مستحيل، لأنّ مِن شأن ذلك أن يضرب الهيبة الاميركية، ويقدّم هدية كبرى لإيران، ويرفع من معنوياتها ويُصلّب موقفَها أكثر.

- إمّا أن يسترضي الاوروبيين بالتراجع و«نصف عودة» إلى الاتفاق والقبول بمفاوضات جديدة تؤدّي إلى اتفاق جديد معدّل عن الاتفاق الحالي، وهذا أمر دونه صعوبات كبرى.

- إمّا الهروب إلى الأمام وإكمال مسلسل الخيارات والخطوات الجنونية، وإحدى تلك الخطوات تتمثّل في شنّ حرب عسكرية مباشرة على إيران، وقد يكون هذا هو المخرَج الوحيد المتاح أمام ترامب.

وهنا، يرجّح المسؤول الكبير الخيارَ الثالث، ويقول: قبل كلّ شيء فتّش عن إسرائيل، وعلى هذا الأساس، يمكن فهمُ التصعيد الإسرائيلي المتتالي منذ مدة في سوريا. فهو يتجاوز بكثير الحديثَ عن «تعديل قواعد الاشتباك»، وتعويض الخسارة التكتيكية التي تكبّدتها إسرائيل، يوم أسقطت مقاتلتها الأميركية الصنع «أف – 16» في سماء سوريا، بل تكفي نظرة إلى الصحافة الاسرائيلية التي تكشف أنّ ما يدور في أروقة السياسة والعسكر والأمن في إسرائيل أبعد من ذلك بكثير، والاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة لا شكّ في أنّ الهدف منها جرُّ إيران إلى المواجهة الكبرى. وما جرى في الأيام الأخيرة هو مقدّمة تمهيدية، قد تُستكمل في أيّ وقت.

وبهذا المعنى، يقول المسؤول، يمكن فهمُ سببِ الاتّهام الإسرائيلي السريع لـ»فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني بإطلاق القذائف والصواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان ، ليل الأربعاء، ويمكن توقّع خلفياتِ خطوةٍ كتلك التي أقِرّت في الكنيست قبل أيام، بشأن منحِ رئيس الوزراء ووزير الدفاع سلطةَ إعلان الحرب بعد الأخذِ برأيِ وزير الدفاع، والكلّ يَعلم أنّ وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان أحد أكبر مجانين الحرب.

يبقى السؤال عن لبنان، وموقعِه في أيّ حرب مقبلة، ومدى تأثّرِه بها؟

يقول المسؤول: كلّ المنطقة على خط النار، ولبنان في قلبِ الخطر الإسرائيلي، وثمّة معلومات ورَدت من مصادر (خارجية) موثوقة تكشف أنّ إسرائيل أجرت في الآونة الاخيرة مناورةً، بنَت فيها مجسّمات لقرى وبلدات ومناطق لبنانية، وشاركت فيها مجموعات النخبة في الجيش الإسرائيلي وتدرّبت على كيفية اقتحامها.