إستوقفني كثيرا مشاهد إستحضار كبار السن والعجزة على كراسيهم الدوارة أو حتى على أسّرة مرضهم
 

اليوم الإنتخابي في دائرتي الجنوب الأولى والثانية كان ساخنا جدا، ونسبة المقترعين كانت مرتفعة قياساً على باقي المناطق ، وللوهلة الأولى قد يظن المراقب أن منافسة حقيقية تجري بين لائحة الثنائي من جهة، واللوائح المعارضة من جهة ثانية .
ومع قليل من التأمل بالمشهد، ومع الكثير من التركيز على التفاصيل الدقيقة جدا، يدرك المراقب أن معركة انتخابية شرسة تجري على أرض الواقع ولكن ليست بين الأطراف المتنافسة، وانما حقيقة المعركة انما هي بين طرفي الثنائي نفسه .
فمن بديهيات القول أننا كلوائح معارضة وعلى تنوعها لم  نستطع أن نشكل ثقل انتخابي حقيقي، إن من خلال تشتت اللوائح منذ البداية أو من خلال شخصانية وسوء إدارة بعض رؤساء هذه اللوائح ، بحيث كان جلّ همّه هو تجميع أكبر عدد من الأصوات في قضائه هو، على حساب باقي الأقضية مع علمه المسبق باستحالة الوصول إلى الحاصل، فصرفت أموال ضخمة على أعداد خجولة بغية تسويقها في سوق النخاسة السياسي بعد الإنتخابات .

إقرأ أيضًا: سر دائرة الجنوب الثانية، ودور الحزب؟

 

هذا التفاوت الكبير بين أعداد الأصوات عند لائحة الثنائي من جهة وباقي اللوائح، كان جليّاً منذ لحظة فتح الصناديق، فمعظم أقلام الإقتراع  خلت حتى من المندوبين في حين أن  مندوبي الثنائي كانت بالعشرات وماكيناتهم الإنتخابية كانت تسيطر على المشهد الإنتخابي داخل الأقلام وامتداداً إلى محيط مركز الإقتراع وصولاً حتى إلى الأزقة والشوارع المحيطة، ففي معظم القرى والمدن ارتفعت صور الشهداء والقيادات وصدحت مكبرات الصوت الجوالة منها والثابتة.
وفي ظل كل هذه الهيمنة، إستوقفني كثيرا مشاهد إستحضار كبار السن والعجزة على كراسيهم الدوارة أو حتى على أسّرة مرضهم وهذا الإصرار الكبير من ماكينات "حزب الله " و "حركة أمل " كل على حدى، بإدخال حتى المتخلفين عقليا، وقيل لي بأن إحدى العجائز في قرية من قضاء مرجعيون توفيت بعد سقوطها أرضا وهم يحاولون أخذها إلى مركز الإقتراع ( للأسف ).
مشاهد حزينة شاهدتها بعيني، ولم أفهمها حينها لدرجة إستنكاري عند أحد مسؤولي الماكينة الانتخابية للحزب قائلا له : " يا عمي حرام عليكن!!! ولك شو إنتو بحاجة لأصوات هؤلاء ؟؟ " ظنّاً مني بأن التحشيد هو في مقابلنا نحن ! 
هذا الإستغراب الذي انتابني حينئذ وأحزنني بعمق ، صار يتوضّح مع بدايات فرز الأصوات، وتفرق العشّاق، وبدأت تتكشف الفوارق الكبيرة للأصوات التفضيلية بين مرشحي الحركة والحزب والخلافات التي دبت بينهما في الكثير من القرى ...
وصرنا نسمع بأخبار تقول أن الحزب انهزم هنا أمام الحركة وأن الحركة سُحِقت هناك أمام الحزب. 
هذا بحسب فارق الأصوات بينهما، والتي وصلت ببعض القرى إلى المئات !!! 
 لندرك أن معركة أحجام كانت تدور بالخفاء لا علاقة لنا بها .