لم تبدأ بعد النقاشات والصراعات المرتبطة بتأليف الحكومة العتيدة، بإنتظار بدء ولاية المجلس النيابي الجديد وإنتخاب رئيس له، حتى إن معظم الكتل لم تحسم مطالبها ولم تدرسها حتى، إذ إن الوقت الفاصل عن تسمية رئيس الحكومة المقبلة لا يزال طويلاً.
 

ولا تَشي الأيام الماضية التي تلت إعلان نتائج الإنتخابات النيابية، أن الخلافات السياسية والتصعيد الخطابي الذي رافق فترة ما قبل الإنتخابات كان محصوراً بالضرورات التجييشية، بل كان مبنياً على متغيرات سياسية قد تدفع الخلافات لتستمر طيلة عهد الرئيس ميشال عون وحتى نهايته.

هكذا ستنعكس الخلافات والتوازنات السياسية الحالية على مختلف الإستحقاقات الدستورية المتوقعة من إنتخابات رئاسة المجلس النيابي إلى تسمية رئيس للحكومة، وصولاً إلى تأليف الحكومة وتوزيع الحصص والحقائب. ويضيفون "إذا كان إستحقاقا رئاسة المجلس وتسمية رئيس الحكومة شبه محسومين، فإن عملية تشكيل الحكومة ستواجهها مطاب عديدة، في ظل رغبة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بإعادة التوازن لعلاقة الرؤساء الثلاثة مع النظام والدولة، وهو تالياً سيسعى من خلال التفاوض على شكل الحكومة إلى الوصول إلى تسوية مع رئيس الجمهورية بغية التعايش خلال السنوات المقبلة".

فالرئيس بري يرسم خطاً أحمر أساسياً حول تخليه عن وزارة المال، موقفه واضح أبلغه لكل زواره في مصيلح مؤخراً، "وزارة المال لوزير شيعي من حركة "أمل"، وفي الأغلب سيكون علي حسن خليل"، وإذا كانت هذه المسألة غير خاضعة للنقاش عند برّي، فإن تمثيل تيار "المردة" ثابتة عنده أيضاً بغض النظر عن حصتها النيابية، إلّا في حال رغب الوزير سليمان فرنجية في أن يكون في المعارضة.

من هنا يرى "التيار الوطني الحرّ" في ثوابت برّي مشكلة حقيقية قد تعرقل عملية التأليف، إذ إن "التيار" يرغب بدوره بالحصول على وزارة المالية، كذلك يسعى إلى عدم تمثيل أي كتلة لا يصل عدد نوابها إلى 4 الأمر الذي يشمل كتلة "المردة" (3 نواب)، واذا كان تمثيل "المردة" سهلاً، يتطلب ضمّ أي نائب إلى الكتلة، فإن الخلاف العلني حول وزارة المالية يبدو المؤشر الأول لإطالة عمر التأليف، ومظلة حقيقية لبقية الخلافات.

لكن كثر من المتابعين يعتقدون أن سعي "التيار" للحصول على وزارة المالية هو مجرد مناورة سياسية – تفاوضية تهدف إلى رفع السقف التفاوضي تؤدي في النهاية إلى حفاظه على بعض الحقائب الرئيسية التي يحصل عليها اليوم، لعل أهمها وزارة المالية التي يسعى كل من حزب "القوات" وتيار "المردة" للحصول عليها.

إضافة إلى كل ذلك، معركة أخرى تكاد تطل برأسها بين ذات الفريقين، وهي إمكانية طرح برّي مسألة فصل وزارة الخارجية عن وزارة المغتربين، وهذا الأمر مرتبط بالتفاوض على وزارة الخارجية، وإصرار "التيار" عليها أو عدمه، إذ إن برّي يرى أن وزير الخارجية جبران باسيل إستغل موقعه في الوزارة لأسباب إنتخابية.

في المحصلة، تميل المعارك الحكومية بين برّي – باسيل لصالح الأول، نظراً للأهداف التي وضعها لمعركته، وبسبب عدد النواب الذي سيدعمون توجهاته ولأن المماطلة في التأليف هي نقطة ضعف الرئيس عون.

لكن، وبعيداً عن هذه المعارك، تفرض المعركة بين "حزب الله" ورئيس تيار "المستقبل" (رئيس الحكومة المتوقع) سعد الحريري نفسها على مفاوضات التأليف، إذ إن المعركة الأولى ستتركز على تمثيل النواب السنة من خارج "المستقبل" وخصوصاً المنتمين إلى قوى الثامن من آذار، وهي المعركة المرتبطة بشكل أساسي بحجم الكتلة النيابية لهذه القوى (46 نائباً) وتالياً فإن الحزب لن يرضى بأن يتمثل وفريقه بالوزراء الشيعة فقط، أما المعركة الثانية، فهي معركة البيان الوزاري إذ زادت في المرحلة الأخيرة حاجة الحزب لتحصين نفسه سياسياً وتثبيت معادلة الجيش والشعب والمقاومة بشكل صريح لمواجهة التطورات الإقليمية المتوقعة...

في ظل كل هذه المعارك، لا يمكن إهمال الخلاف على تمثيل "القوات" التي ترغب بالحصول على نفس الحصة التي سيحصل عليها "التيار" في ظل الحصة النيابية الكبيرة التي حصلت عليها في الإنتخابات، غير أن هذا أمر غير وارد عونياً بل على العكس سيسعى "التيار" وفق كل المقربين منه إلى عدم إعطاء "القوات" أكثر من حصتها الحالية (ثلاثة وزراء) من دون أي وزارة سيادية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إخراجها من الحكومة وعدم تمثيلها.

الصورة السلبية المتوقعة لفترة تشكيل الحكومة تتناقض مع إجماع الأفرقاء السياسيين الذين يعتبرون أنه من الضروري الإسراع في التأليف نظراً للمخاطر الإقليمية، ولضرورة إظهار إستقرار سياسي للمجتمع الدولي بغية الحصول منه على إلتزاماته المالية.

 

 

 

علي منتش