مشكلة ترامب ليست مع إيران بقدر ما هي مع إرث أوباما
 

إن تحليل سلوكيات الرئيس دونالد ترامب ومواقفه السياسية لمن يكتفي بالنظر إلى دوافعه في اتخاذ تلك المواقف وانتهاج تلك السلوكيات، صعب للغاية ولهذا نرى الكثيرين يعترفون بعجزهم عن تنبؤ اتجاهات ترامب في المستقبل حيث انه يغير اتجاهه بشكل مباغت ومفاجئ. 
ولكن بالرغم من تغيره السريع إلا ان هناك ثوابت للرئيس ترامب تنبع من أوضاعه النفسية الذاتية، ووحدهم المحللون النفسيون قادرون على تقديم تحليل دقيق لمواقفه ولو نسمح لأنفسنا الدخول في مجال اختصاص علماء النفس أو المحللين النفسيين فإن أول ما يلفت نظرنا هو بساطة الشخصية الترامبية وعدم تعقيدها حيث انها ليست معقدة ولا عميقة كما كانت شخصية باراك اوباما أو بيل كلينتون. 
وهذه البساطة التي تتسم بها شخصية الرئيس ترامب تدفعه إلى الاحتكاك مع مؤسسات الحكومة الأميركية التي هي دولة المؤسسات، تحكمها علاقات معقدة ومنظمة ومنضبطة بينما عقلية الرئيس ترامب لا تنسجم مع هذا التعقيد والبيروقراطية التي هي سمة العقلانية الحديثة في مجال الإدارة وفق تعبير ماكس فيبر. ِ

إقرأ ايضًا: ترامب يدفع إيران إلى المواجهة مع إسرائيل
ويترتب على تلك البساطة والبراعة الترامبية نتائج خطيرة عندما نلاحظ أنه ينظر الى نفسه كرئيس لأقوى دولة في العالم إقتصاديًا وعسكريًا وفعلًا هكذا، ويتوقع من نفسه أن يسجل تغييرات نوعية على المستوى الداخلي والعالمي على غرار الأطفال الذين يغيرون خارطة العالم ويحددون اتجاه الغيوم أو يأمرون الغيوم بالأمطار.
إن عقلية ترامب لا تفوق عقلية الأطفال الذين يبنون بيوتا ويدمرون لأنهم يكرهون أن يقعدوا في مكان ما عاطلين عن العمل. 
هناك شواهد يصعب احصاؤها تثبت ما ندعيه هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر: 
1- إلغاء إتفاق أوباما مع كوبا، وبرر ترامب إلغاء ذاك الإتفاق بالقول: "لقد وقعوا اتفاقية مع حكومة تنشر العنف وعدم الاستقرار في المنطقة ولم يحصلوا على شيء".
ثم ذكر ترامب بالأزمة الصاروخية بين كوبا والولايات المتحدة في 1962 للتدليل على موقفه من كوبا! 
2- إلغاء أوباما كير وهو نظام الرعاية الصحية الذي وضعه الرئيس السابق أوباما وإستبداله بقانون ترامب للرعاية الصحية!

إقرأ أيضًا: ترامب سيعلن الليلة خروج بلاده من الإتفاق النووي
وموضوع الإتفاق النووي لا يختلف عن جميع الإنجازات الأخرى التي حصل عليها الرئيس أوباما ويصر ترامب على إلغاءها وإحباط مفاعيلها وعليه يمكن القول بأن مشكلة ترامب ليست مع إيران بقدر ما هي مع أوباما. 
إن ترامب لا يريد دفع إيران إلى الإنسحاب من الإتفاق النووي بل يريد التفاوض معها من أجل المصالحة وتطبيع العلاقات حتى يفتخر ويباهي بأنه هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي تمكن من إنهاء الأزمة مع إيران بعد 40 عامًا من العداء.
إن الحجج التي تذرع بها ترامب لإنسحابه من الإتفاق النووي هي في جلها بل كلها حجج واهية لا تستحق النظر فماذا يريد ترامب تحقيقه من وراء هذا الموقف؟ إنه كما صرح يوم الأمس متفائل بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات وبتعبير أدق هو يأمل ذلك ويبتغيه. 
لم ننس الإساءات المتبادلة بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون ثم مغازلتهما في الأسابيع الأخيرة وابتهاج ترامب لدى إستقبال المعتقلين الأميركيين الذين أفرج عنهم الزعيم الكوري الشمالي. 
إن ما ينوي ترامب تحقيقه من خلال إنسحابه من الإتفاق النووي هو تطبيع العلاقات مع إيران وليس شن حرب ضدها.