انهى لبنانُ الانتخاباتِ النيابيّة في هدوءٍ على رغم بعض الشغب والإشكالات المتنقّلة التي حصلت في بيروت والمناطق، وكان آخرها إشكال الشويفات.
 

حجبت الإنتخابات النيابية الرياحَ التي هبّت من أوروبا، وتحديداً من بروكسل أثناء مؤتمر النازحين مبشرةً اللبنانيين بأنّ فترة إستضافتهم النازحين السوريين ستطول الى أمد غير مسمّى، وأنّ حلّ هذا الملفَّ ليس في أيديهم، بل إنه يخضع لاعتباراتٍ أوروبيةٍ وغربية.

قد تكون عبارة العودة الطوعية للنازحين التي إستُعملت في بيان الإتّحاد الأوروبي والأمم المتحدة مرعبة، لكنّ المريب في الأمر أنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة السورية، لم تتعامل بجدّية كاملة مع كارثة النزوح، لا بل إستخفّت بها وذهبت بعيداً في رهانها على الأمم المتحدة والدول الكبرى في مساعدة اللبنانيين على حلّ هذه المعضلة.

والغريب في الأمر، أنّ غالبية القوى السياسية والأحزاب خاضت الإنتخابات النيابية بلا برامج وبالطبع لم يقدّم أحدٌ خططاً أو خشبة خلاص تدلّ على سبل عودة النازحين الى بلادهم، في حين أنّ المناطق الآمنة في سوريا تخطّت مساحتها التسعين في المئة، والحرب باتت محصورةً في أماكن بعيدة من الحدود مع لبنان.

وتؤكد مصادر دبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ حلّ أزمة النازحين ليست في سلّم أولويات الغرب، إنما المطلوب حالياً الإبقاءُ عليهم في لبنان تحت عيون الأجهزة اللبنانية، التي نجحت في مهماتها الأمنية بلا مشكلات.

وتشدّد المصادر على أنّ موعدَ عودتهم الى سوريا لم يحن بعد، وحلّت أزمة النزوح خاضعة للعبة الحلّ الشاملة في المنطقة وإنطلاق مسيرة إعادة إعمار سوريا، وحتى الساعة لا يلوح أيُّ شيء في الأفق من هذا القبيل. وتشير الى أنّ مناطق خفض التوتر السورية التي تمّ الإتّفاق عليها ليست هي الحلّ لأزمة النازحين، بل إنّ الأمر يتوقف على توافق سياسي إقليمي - دولي بغية إنهاء الأزمة السورية.

ويرى البعض أنّ تطوّرَ الحرب السورية واتّخاذها منحىً تصعيدياً جديداً، خصوصاً بين إيران وإسرائيل سيبقي الحجّة القائلة بأنّ الأرض السورية لم تصبح آمنة وليست مهيّئة بعد لإسترجاع النازحين، وبالتالي يجب ابقاؤهم لمزيد من الوقت قبل الدخول في الحلّ الشامل.

وهذا الامر يتماهى مع تأكيدات عدد من السفراء، ولا سيما منهم الاوروبيون، أنّ لبنان شكّل أرضاً خصبة لاستضافة النازحين وأعطى مثالاً عن التعامل مع أزمات كهذه، لكنّ زمن الحلّ لم يقترب بعد، ويجب على «وطن الأرز» تحمّل بعض الأثمان الى وقت إضافي. ويؤكّد هؤلاء السفراء أن لا مجالَ لتحقيق عودة آمنة وفورية حالياً الى سوريا، لأنّ النظام السوري سيستعمل النازحين ديموغرافياً لتعويض النقص الذي أصاب جيشه بالدرجة أولى.

وتتعالى الصرخات الداخلية الداعية الى حلّ هذه الأزمة، لكنها تتعدّى كونها صرخات، لأنه لا يوجد تصوّر واضح أو خطّة لدى الدولة اللبنانية، بل إنّ كلّ مطالباتها تقتصر على طلب الدعم الدولي لإنقاذ الوضع، في حين أنّ فضيحة المادة 49 من الموازنة والتي طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إعادة النظر فيها، تدلّ على الإستخفاف في التعامل مع مثل تلك الأزمات وعدم تقدير الأضرار التي قد تترتب على قرارات خاطئة كهذه حتى لو كانت لها فائدة إقتصادية.

وفي هذه الأثناء، يستمرّ إجتياح النازحين لفرص عمل اللبنانيين، فيما تقع المسؤولية على وزارة العمل التي لا تلاحق الموضوع، وعلى رب العمل اللبناني الذي يستبدل إبن بلده بالسوري.

كذلك، فإنّ إنتشارَ النازحين في الشقق بين اللبنانيين يسهّل إندماجَهم في المجتمع، وهذا الأمر تعود مسؤوليّتُه بالدرجة الأولى على الوزارات المعنية والبلديات، وعلى اللبناني الذي يطمع ببدل الإيجار غير مدرك أنه يسلّم وطنه للمجهول.