عمري ربع قرن ونيّف... سافرت مرة واحدة فيه، رحلة دامت عشرين يوماً، تنقّلت فيها بين سبع مدن أوروبية بخمس طائرات وتذكرتي قطار.

عمري ربع قرن وعشرون يوماً.

هاتفي الذكي ذاكرته محدودة، كبعض البشر، هاتفي الذكي لا يسعى لتطوير ذاكرته، كبعض البشر أيضاً.

 تستهويني فكرة إفراغه من محتوياته كلما وصلني إشعارٌ باستنفاد المساحة المخصصة للحفظ، مهمة شبه يومية!

تستهويني كذلك تفاصيل المدن السبع التي زرتها، ووثقتها بصور أراها في ذاكرة هاتفي، خلال مهمتي شبه اليومية تلك... أحجار الأرصفة، شقوقٌ في تماثيل أسفل شرفات بنايات باريسية سكنية، نقوشٌ على جدران محطة المترو، أجزاءٌ من سور، الحلقات الحديد للبوابات، والكثير الكثير من التماثيل، العارية والمحتشمة، الشيطانية والملائكية، الناظرة نحو السماء والأرض، والمندهشة دائماً.

لا أملك صورة كاملة لكنيسة sacré coeur في منطقة mon martre، لكني التقطت أربع صور للفارس الحارس الأخضر القابع أعلى قاعدتها. ابتسم لكاميرتي تماثيل العلماء في اللوفر، فرداً فرداً، كذلك رسل كاتدرائية روما، بعدما احتفظت بتسع صور لأجزاء بوابتها.

يوماً مرّ، محوت ثلاث صور شخصية لي أمام كنيسة روكامادور جنوب فرنسا، لأبقي صورتين للأسد المجنح وستوورت قابعين أعلى بوابة ساحة كونكورد.

في البندقية، لا وجود لمشهد كامل، نصف زورق، أعمدة خشبية، عتبات منازل منتظرة غرقها في لجة المياه.

أنا أمتلك 327 صورة البوابات وتماثيل، وثماني صور لي فقط تجمعني بالأماكن التي زرتها.

هاتفي الذكي ذاكرته محدودة كبعض البشر، هاتفي الذكي لا يسعى لتطوير ذاكرته كبعض البشر أيضاً، تستهويني فكرة إفراغه من محتوياته كلما وصلني إشعار باستنفاد المساحة المخصصة للحفظ، تستهويني فكرة التنقل السريع عموديا بين الصور، والانتقاء العشوائي لإحداها وتأملها، العدول عن قرار محو صور تفصيلية لبوابات وتماثيل وشقوق وعتبات، والبحث مجددا عن ضحايا ذاكرة محدودة..

عمري ربع قرن وعشرون يوماً، والكثير الكثير من البوابات والتماثيل.

(نسب زكريا)