يُجمع كثيرون على أنّ الاستحقاقَ المقبل الأكثر خطورة يتصل بتشكيل «حكومة العهد الأولى». فما عدا ذلك من الإستحقاقات لم يعد ذا اهمية. ولذلك فإنّ كلّ ما يجري اليوم من «عروض للقوة» يشكل تمهيداً لهذه المحطة التي رسمت لها سيناريوهات عدة يجري البحث فيها على وقع نتائج الإنتخابات والتطورات الداخلية والإقليمية. وعليه فما هو المنتظر؟
 

في موازاة المواعيد المبدئية التي حُدّدت للإحتفال بنتائج الإنتخابات النيابية في مرحلة تلت تشكيل الكتل الجديدة وبدء البحث في التحالفات الجديدة، ثمّة هناك ثابتة وحيدة توحي في شكلها ومضمونها وتوقيتها انها لا تهتم بالمحطة الدستورية الأولى المتصلة بانتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري لولاية سادسة والنائب المنتخب ايلي الفرزلي نائباً له خلفاً للنائب المنسحب من المعركة الإنتخابية فريد مكاري، ومعهما تشكيل هيئة مكتب المجلس التي يجري التفاهم عليها قبل انعقاد المجلس الجديد في 20 من الجاري موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي.

وعليه، فإنّ البتّ بهذه المعادلة التي قد لا تخضع لأيِّ تعديل ما لم يطرأ جديد غير محسوب، فإنّ الإستحقاق الأبرز سيكون بعد انتهاء المشاورات النيابية التي سيجريها رئيس الجمهورية لتكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة فهو المستحقّ لهذه المهمة دون أن ينافسه أحد. وهو استحقاق لا يمكن أحد الوقوف في وجهه لأنّ التفاهم الذي قاد الى «الصفقة الرئاسية» بوصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية ما زال ساريَ المفعول ولن يستطيع أحد الخروج عنه بإرادة ابطاله، او تعطيله إن وُجد مَن يفكر بتغيير هذه المعادلة.

وعلى وقع هذه الثوابت التي لا تخضع لأيِّ نقاشٍ منطقي حتى الآن، تتداول الأوساط السياسية من مختلف المواقع المؤثرة في الإستحقاقات المقبلة، ولا سيما منها تلك الرسمية المعنية بالخطوات الأساسية عدداً من السيناريوهات التي تقارب الملف الحكومي وما يعوق عملية التأليف أو يعرقلها فتنطلق بداية من وجهتي نظر اساسيّتين مبنيّتين على عناصر خارجية:

- إذا انفجر الوضع في المنطقة على خلفية المخاوف من مواجهة اسرائيلية ـ ايرانية محتملة على الساحة السورية، فسيكون على اللبنانيين الإسراع في تأليف حكومة تحفظ الحدَّ الأدنى من الإستقرار في البلد الذي لا يتحمّل أيَّ مغامرة أو أيَّ دعسة ناقصة.

- إذا اطمأنّ المسؤولون اللبنانيون الى الستاتيكو القائم في المنطقة بلا أيِّ تعديل تراجيدي محتمل فإنّ المناكفات السياسية بينهم قد تؤدّي الى تجاذبات تعوق تأليف الحكومة الجديدة في المدى القريب.

لا تحتمل وجهة النظر الأولى كثيراً من النقاش، لكنّ بلوغ النظرية الثانية سيؤدّي النقاشُ فيها الى دخول البلاد في آفاق جديدة ليست كلها بالحسبان. فما ظهر الى اليوم من مشاريع تكتلات نيابية وسياسية جديدة والسعي الى الإحتفاظ بالحقائب السيادية كما هي اليوم، أو إعادة النظر فيها التي يتطلّع اليها آخرون، لا يبشّر بإمكان التفاهم سريعاً على عملية تقاسمها.

ولذلك قد تشهد الأشهرُ المقبلة كثيراً من الأخذ والرد، وخصوصاً أنّ فشلَ الحريري في تأليف الحكومة ضمن مهلة محدّدة واضطراره الى اتّخاذ قرار بالإعتكاف او الإعتذار عن الإستمرار في المهمة سيفتح البابَ مشرَّعاً على سيناريوهات أخرى ليس سهلاً تقديرها من الآن.

وفي حال وصلت البلاد الى هذه المرحلة فسيتشدّد أنصارُ «الصفقة الرئاسية» في إعادة تسمية الحريري مرة أخرى، فالإحتمالات الأخرى غير واردة مخافة أن تسقط نظرية «تسمية الأقوى» التي أعادت الرئيس نبيه بري الى ساحة النجمة بعدما أوصلت عون الى بعبدا ولن يكون في استطاعة أيّ طرف تسمية رجل آخر لهذه المهمة أيّاً كانت النتائج التي جاءت بها الإنتخابات النيابية في بعض الدوائر.

فالرئيس نجيب ميقاتي لم يصل بما حقّقه الى موقع المواجهة مع الحريري ولا نجاح النائب فيصل كرامي في طرابلس كما نجاح عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي أو النائب اسامة سعد في صيدا يؤهّل أيّاً منهم لمثل هذه المواجهة غير المتكافئة. وعدا عن ذلك فإنّ الظروف السابقة التي تمّ فيها تبادلُ مثل هذه الأفكار لم تتحقق وهي كانت وستبقى من باب المناكفات السياسية غير المنطقية التي لا تتناسب والأجواء التي انتهت اليها الإنتخابات النيابية.

والى جانب هذه المعادلة وما هو منتظر من تطوّرات ومواقف، ثمّة مَن يضيف الى ازمة المطالبة باحتفاظ الشيعة بوزارة المال مطالب أخرى يستعدّ لها اطراف آخرون، فــ»القوات اللبنانية» ستطالب بحقائب أخرى اساسية تتناسب وحجم كتلتها النيابية المحقّق، ويستعد تيار «المردة» لمعركة قاسية للإحتفاظ بحقيبة سيادية ومعهما الحزب التقدمي الإشتراكي الذي قبل في الحكومة الحالية بحقيبة التربية بديلاً من حقيبة خدماتية أخرى. واذا فتح هذا الباب، فإنّ توزيرَ أيٍّ من اعضاء كتلة الرئيس ميقاتي ومعه مجموعة النواب السنّة الفائزين في الإنتخابات سيكون مطروحاً بقوة لتقاسم حقائب السنّة بدفعٍ معنويّ وسياسيّ من «حزب الله» وحلفائهم.

ثمّة مَن يستشعر مطالبَ اكثرَ خطورة كأن يطالب «حزب الله» بحقيبة سيادية و»دسمة» من العيار الثقيل. فهو الذي اعتبر أنّ ما قبل 6 أيار شيء وما بعده شيء آخر، وأنّ إعلان الحرب على الفساد كعنوان أساسي في حملته الإنتخابية النيابية تحت شعار «نبني ونحمي» لا يمكن تحقيق شيء منه في موقع «وزير دولة لشؤون كذا» أو وزير للصناعة أو الشباب والرياضة. فلتحقيق هذا الشعار يحتاج الحزب الى حقيبة يضع يده فيها على أحد مكامن الهدر والفساد شبيهة بوزارة الطاقة أو الإتّصالات أو الداخلية أو العدل، فكلها باتت على لوائح الحقائب السيادية التي ارتفعت من ستة الى إحدى عشرة حقيبة وهو ما يضع مهمة الحريري على المحك.

وفي حال صحّ هذا السيناريو المتداوَل في الكواليس، سيُطرح سؤال بديهي، هو هل يتحمّل الحريري الذي يستعدّ لمواجهة العالم الغربي والدول المانحة الكبرى بحكومة يسلّم فيها أيّاً من هذه القطاعات الحيوية لـ»حزب الله» المصنّف على لوائح الإرهاب في الدول الغربية وبعض الدول العربية؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ثمّة مَن يدعو الى انتظار تلك اللحظة وهي ليست ببعيدة، إذ عليها سيُبنى إمكانُ قبول الحريري مهمة التكليف أو يعتذر فيُسمي بديلاً منه؟

وقبل السؤال عن قدرة «البديل» هل يستطيع رئيس الجمهورية أن يواجهَ مثل هذا المطلب وهو في الطريق الى استعادة العلاقات الطبيعية مع الخليج العربي والعالم الغربي؟